كل شيء هادىء هنا. ففي أوضاع عادية لكان مجرد معرفة هذا الدور لأحدث ضجة ونقاشات حامية، تكفي لأكثر من شهر من الأخذ والرد داخل الإدارة الأميركية وعلى المستوى العالمي على صفحات الجرائد والوسائل الاعلامية الأخرى. بالطبع الآن ما يجري في واشنطن أبعد من الاهتمام بافغانستان.
فالمحافظون الأميركيون نظموا مظاهرة خلسة ضد الرئيس أوباما في واشنطن وردا على هذا النشاط ألقى أوباما كلمة نارية، حدد فيها سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية، أكد فيها على انتهاء الاحتلال الأميركي للعراق. وبكلمات أدق خروج بعض القوات الاميركية من العراق. وكما أن حزب أوباما الديمقراطي يجهز نفسه لانتخابات تشرين الثاني النصفية القادمة،والتي من المتوقع أن يمنى حزبه بهزيمة في الكونغرس ومجلس الشيوخ، وإذا ما صحت هذه التوقعات، فإن أوباما سيصبح رئيساً مكبل اليدين، كافية لتأجيج دور الاستخبارات الاميركية في أفغانستان في عهد أوباما.
وقبل عدة أيام من خطاب أوباما، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» متهمة، ولعلها بكل بساطة، مذكرة بإن رئيس مجلس الأمن القومي الأفغاني محمد زيا صالحي ، ومنذ سنوات طويلة يتلقى رواتب شهرية من الـ «CIA» أي أنه عمليا يعتبر عميلا لاستخبارات أجنبية. وبعد ذلك بدأت تظهر أخبار في وسائل الاعلام الأميركية تتضمن معلومات كثيرة، تشير الى أن صالحي ليس الرجل الوحيد الذي له مثل هذه العلاقة مع الاستخبارات الأميركية. وردت بعض الاجهزة الأفغانية على هذه المعلومات بإنها محض كذب، لأنه لا يوجد ولا موظف واحد في الحكومة الأفغانية يتلقى أموال من الـ«CIA» وأكدت الأجهزة الافغانية، « أن مثل هذه المعلومات لا تخدم تعزيز الكفاح ضد الإرهابيين لذلك فنحن ندين بشدة هذه الاتهامات المغرضة، التي تهدف إلى الاساءة لسمعة الوجوه البارزة في الدولة الأفغانية». وصدر هذا الرد من المكتب الصحفي الرئاسي، ومن قبل العديد من المقربين الكبار من الرئيس حامد كرزاي الذين علقوا مستهجنين هذه الأنباء الإعلامية. وبعد ذلك ، ساد الصمت في أمريكا. ولكن بعد حين ظهرت في واشنطن بوست. رسالة قصيرة جدا من أحد القراء وهو ايفان سكوت توماس الذي يقول فيها،«بأن الـ « CIA» يجب ألا تدفع أجور لأعضاء في الحكومات الأجنبية، وإذا ما حدث ذلك، فمن غير المفهوم لماذا تقدم أميركا المساعدات لهذه الحكومات؟». وثمة اتجاهين في مثل هذه الأنباء، الأول يتعلق بالداخل الافغاني، ويمكن القول بان الثاني يتعلق بالقيم الانسانية العامة.
أما ما يتعلق بالداخل الأفغاني، فان محمد صالحي، كان معتقلا قبل شهر مع طاقم أميركي وبريطاني بتهمة الفساد، وتدخل الرئيس كرزاي لاطلاق سراح صالحي، وأطلق سراحه، رغم أن التهمة لم تكن مفبركة، وبعد ذلك أخذت الأحاديث تنتشر حول علاقته بالاستخبارات الاميركية، وطرحت الكثير من الأسئلة المعقدة بهذا الشأن، منها ما علاقة العديد من الشخصيات المعروفة في افغانستان بأجهزة الاستخبارات الاميركية؟ وكذلك حول ماذا تفعل الأيادي الاميركية في الحياة السياسية الأفغانية؟ ونذكر بانه ومنذ غزو افغانستان عام 2001، واحتلاله من قبل أميركا وحلفائها، فان حكومة حامد كرزاي التي نصبتها أميركا، من الصعب أن ينفي أحد امكانية اقامة علاقات من نوع خاص بين أعضاء هذه الحكومة وأجهزة الاستخبارات المركزية الاميركية. ولاسيما أن العالم بأجمعه يعرف بان الحكومة القائمة هي أميركية-افغانية مشتركة، والأدق ادارة أميركية بمشاركة الأفغان، هكذا على الأقل تبدو في نظر العالم أجمع، والكل يتحدث عن محاربة الإرهاب، ولكن هل محاربة المتطرفين والارهابيين، يجعل كل شيء مباحاً سواء كان متعلقاً بالمكافحة أم لا يتعلق بها؟! . وفي سياق ذلك، أخذت وسائل الاعلام الأميركية، تتحدث وتذكر بان الـ «CIA» تعمل في افغانستان اعتماداً على أفراد أفغان منذ عشرات السنين، وبعد الاحتلال أصبح عشرات من هؤلاء الأفراد أعضاء في الادارة الأفغانية. توسع الحديث عن ذلك لفترة وجيزة وفجأة توقف نهائيا. والمشكلة أن الحكومة الأفغانية لا ترغب أن تعامل من أحد على هذا الاساس، وتعمل كل ما بوسعها للتخلص من هذه الاتهامات، وتدعو الى التعاون لبناء حياة جديدة» وبمشاركة هؤلاء الأفراد المتهمين. ولإبعاد شبهات حول تحكم أميركا بالمصير الأفغاني، طلب أحد الشخصيات البارزة في الادارة الأفغانية وهو محمد عمر والجنرال ديفيد بيترسون خلال لقاء معه.
أن تكف الولايات المتحدة عن العمل العلني ضد المواطنين الأفغان والقصف العشوائي على المدنيين، لأن ذلك يرسخ الانطباع والقناعة بالتحكم الاميركي ، وإن الحكومة ليست سوى دمية تتحرك بالأيدي الاميركية.
وهذا يسيء للحكومة ولأميركا في آن واحد، ولاسيما التدخل الفظ اليومي بحياة المواطنين الأفغان، ويقول محمد داودزه، يجب أن يقتنع الافغان بان دولتهم ذات سيادة وانها تمتلك حرية القرار، لكي يقبلوا الجنود الافغان كجزء من بنية المجتمع الأفغاني. وأحاديث وسائل الاعلام الاميركية حول دفع رواتب وأجوز لشخصيات أفغانية داخل الادارة ومن قبل الـ «CIA»يسيء لسمعة الحكومة عموما التي يتزعمها حامد كرزاي، فالمجتمع ينظر الى ذلك بأنه الفساد بعينه وهو مرفوض من قبل الشعب الأفغاني. وبالمناسبة، منذ أكثر من عام لا يهتم كرزاي بضرورة تواجد القوات العسكرية الأميركية في كل مكان، نظرا لحساسية الناس من هذا التواجد، لذلك بدأ كرزاي يبحث عن أصدقاء جدد لدى الصينيين، على سبيل المثال، وليس لدى الصينيين فقط. ويظهر هنا، أن علاقات بعض الافراد لا تقتصر على الاستخبارات الاميركية بل واستخبارات دول التحالف العاملين في افغانستان. ما يخلق ردة فعل غاضبة ومستهجنة لدى غالبية أبناء الشعب الأفغاني، وهذا يهدد الحكومة وقوات التحالف في وقت واحد. فوجود وزير أو مسؤول كبير له علاقات تعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية محتلة للبلاد يثير الغضب والسخط ضد الحكومة ككل. حيث تذهب جميع الشعارات مثل «الاستقلال» و«الديمقراطية» و«السيادة» أدراج الرياح ولا أحد يصدقها. وهنا يكمن الخطر الأكبر؟!..
بقلم : ديمتري كوسيروف