تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«وراء الشمس» صورة لما نراه أمامنا 

دراما
الأربعاء 15-9-2010م
بثينة رشيد   

معرفة كاتب أي عمل يدفع بالمشُاهد لأن يتكهن بمدى ما قد يحدثه هذا العمل أو ذاك من  متابعة أو ضجة واهتمام،.

فالكاتب هو من ُيحرك الأحداث ويصنعها ويتصدى للتغييرات والصدمات التي يُثيرها النص.‏

ما وراء الشمس عملٌ من نوعية الأعمال التي تسأل فيها عن الكاتب وعن الرسالة والرؤية التي أرادها من عمله ،ماذا يريد، ماذا يطمح من وراء هذا العمل ، فالعمل جذب الناس دون أن يُثير قضايا الفساد والسياسة والجنس والدين ،أي دون اتباع، أي وسيلة من وسائل الإثارة المعهودة والتي تتغطى بعباءتها شركات الإنتاج ورؤوس الأموال.‏

«ما وراء الشمس» قصة محمد العاص وإخراج سمير الحسن ،عمل ينحاز إلى الإنساني الخاص في الاجتماعي العام . فالمساحة الدرامية فيه ليست مفتوحة على قضايا اجتماعية عشوائية ، وإنما سلطت الضوء على قضية خاصة مُتعمرة بنكهة وجدانية تزحف بهدوء وإتقان نحو مشاعرنا، لتحرك ما بات فيها على طغيان الحياة السريع..‏

وبقدر ما القضية التي تناولها العمل خاصة ،بقدر ما أرسلت رسائلها العامة ومقولاتها التي تصلح لكل مكان ولكل زمان...: التعاطف مع الضعفاء ،كره الظلم والاستغلال‏

حكاية المسلسل ترويها أربع عائلات رئيسية :‏

عائلة علاء ،الذي يعاني من إعاقة المرض المنغولي وهو ولدٌ لأسرة رضوان عقيلي ونادين اللذين يبدوان والدين متفهمين جداً لحالة ولدهما ،مما يجعل من الحالة المرضية التي يعاني منها علاء حالة خفيفة بالنسبة للمرضى الآخرين، ليبرز مدى أهمية الرعاية الخاصة التي يمارسها الأهل في الحماية والتخفيف.‏

عائلة بدر، بسام كوسا،المريض بمرض التوحد ،والدته منى واصف التي تعمل حارسة في مراحيض نسائية عامة ،أخته ميسون أبو أسعد الخارجة من السجن المُثقلة بذاكرة بشر تأبى نسيان ماضيها.‏

عائلة سليم صبري ،ضحى الدبس ، صبا مبارك ،جلال الطويل. عائلة تشبه الكثير من العائلات ، متوسطة الحال، ينوس  معتقدها مابين التعاطف الكلي مع الحالات الصعبة وما بين  التردد فيه. «تعاطف شخصية سليم صبري مع حالة ميسون أبو أسعد مع مطالبة الزوجة بعدم الإسراف والحذر من هذا التعاطف» .‏

عائلة ثناء دبسي وباسل خياط الذي يفُاجأ عندما يعلم بأن الطفل الذي ينتظره مُصاب باضطرابات هرمونية ،ليطلب من زوجته «شخصية صبا مبارك» القيام بعملية إجهاض للجنين.‏

يحدث الاشتباك والصراع في العمل عندما ترفض «:صبا مبارك» طلب « باسل خياط» التخلص من الجنين . فعملية الرفض هي نقطة تحول في حياة هاتين الشخصيتين، ولو رضخت الزوجة لطلب زوجها لما حدثت هذه الانعطافة ، وإسقاط الجنين أمرٌ يحدث على الأغلب خصوصاً عندما  تتم معرفة وضعية الجنين الخطرة. إلاَّ أنَّ الكاتب ارتأى  عكس ذلك ليفتح الحوار على حقيقة النفس البشرية .‏

فالمخزون النفسي الذي يحمله البشر تجاه الحالات الصعبة، متورط في عدم الاكتراث واللامبالاة وفي عدم الرغبة في الشعور بمرارة المعاناة التي يعيشها الآخرون. وما احتمال العائلات للحالات المرضية لأحد أبنائها، إلا احتمال المضطر، وما القبول بوجودهم إلاَّ لأنه وجود قدري مفروض .‏

وبالتالي حالة الرفض،كانت مقصودة وسلطت الضوء على اختبار مفاهيمنا وقيمنا و تراثنا الإنساني ، هل نحن متماسكون ،هل نحن أسوياء، هل نحن قادرون على مواجهة مرارة وظلم مساوئ الحياة .‏

لقد كان الكاتب جريئاً في تناوله موضوعاً مغايراً ،بعيداً عن الإثارة والرغبات .وقد كان موضوعياً وهادئاً عندما كشف عن تدرج النفس البشرية على الاحتمال.‏

فالفقراء البسطاء عادةً ،أكثر تماسكاً ،في مواجهتهم للحالات الصعبة ،حيث التأقلم مع الحرمان والمشقة ،وبالتالي كان تعامل كل من الأم «منى واصف» والأخت «ميسون أبو أسعد» مع مرض بدر «الممثل بسام كوسا» تعاملاً طبيعياً انسجم  مع مسيرة حياتهم المتعبة ومعاناتهم في تفاصيل حياتهم اليومية .‏

وفي المقابل فإنَّ ردة فعل « باسل خياط والذي يمثل حالة شاب غني ومثقف» كانت عنيفة وهستيرية ،لتكشف الصورة التي يتحول فيها ،مَن يبدو متماسكاً ومتوازناً ،عند تعرضه لاختبار القدر والتحمل.‏

أمَّا العلاقة المميزة ،التي ربطت ما بين علاء «المصاب بمتلازمة داون» وبين أهله ،فالهدف منها إبراز مدى دور الوعي وضبط الانفعالات في تجاوز حالة المرض والتعامل معها بمرونة وحيوية .‏

وما الصرخة التي أطلقتها بطلة العمل «صبا مبارك» لمواجهة الاستغلال الذي كان يقوم به خالها كريم «حسن عويتي» لحالة بدر «بسام كوسا» إلا إشارة بالغة الوضوح ، لاستسهال التعدي الذي يقترفه البشر تجاه مَن لا يمتلك قدرة الدفاع عن حقوقه والاحتجاج بصوت مرتفع .فشخصية بسام كوسا في «وراء الشمس» حالة عامة سُكبت في قالب خاص ، أرادها الكاتب حالة رفض واحتجاج للصمت المتكوم في أحشائنا . وإن أجاد الكاتب صياغته الدرامية لحوارات النص المتحركة، فقد أزال المخرج مع الممثلين ،الشك في أن ما نراه على الشاشة هو جزئية مؤلمة في خربشات حياتنا اليومية.      ‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية