إنه محاكاة لأفعال الناس والدراما لدينا لم تخرج عن هذه القاعدة بل كانت مسيرة تطورها بقدرتها سنة وراء سنة في إنجاز تلك المقاربة لتكون معبرة عن حال المجتمع بكل تجلياته عبر تأسيسه مكانياً بالصورة وزمانياً بتقديم عدة فترات زمنية من تاريخ مجتمعنا.
وإن كانت الأعمال هذه السنة متفاوتة لحدٍّ ما في إنجازها هذه المقاربة والمحاكاة لكن نستطيع أن نأخذ عملين نستطيع من خلالهما رصد بعض المضامين التي عالجتها هذه الدراما وعليها نستطيع القياس.
والعملان هما «ما وراء الشمس « وتخت شرقي».
الأول يختار موضوعاً عن ذوي الاحتياجات الخاصة وهذا ليس بجديد كل الجدة لكن جدته تكمن في تقديم الحالة على صعيد الواقع الفعلي من خلال شخصية علاء الذي حقيقة هو من ذوي الاحتياجات الخاصة ورفد الوضع بشخصية بدر التي يمثلها الرائع بسام كوسا. تكمن الأهمية الخاصة للمسلسل بالاشتغال على هذه العلاقة التي يسودها التوتر وعدم الفهم والشفقة والرفض لذوي الاحتياجات الخاصة والعمل على تغييرها من قلبها ليصبح المتلقي في درجة التفهم والقبول بدلاً من الشفقة وغيرها. هذه النقطة التي تم تقديمها وبإفراد مساحات كبيرة لذوي الاحتياجات الخاصة بالصورة والتفاصيل المقدمة للمشاهد تعمل على تفكيك خوفه وإنشاء علاقة عاطفية قوامها الاحترام، ومن ثم تدخل في دعم الحركة التي يقوم بها المجتمع لدمج ذوي الحاجات الخاصة فيه من جهة وتحضير الحاضنة الاجتماعية لهذا الدمج.
والمسلسل سيناريو محمد العاص وإخراج سمير حسين.
تخت شرقي سيناريو يم مشهدي وإخراج رشا شربتجي , المسلسل سيد التفاصيل بجدارة يقارب المسكوت عنه بطريقة ذكية من خلال تعليقات يعرب / قصي خولي وغيره يعرض هموم اللحظة ومستجدات الحياة ويفكك ثوابت قارة عبر نقرها بطريقة ذكية لتنشط الوعي واللاوعي لدى المشاهد حيث تنتقل تلك النقرات لأحاديث المشاهدين فيما بعد وتحرك بحيرتهم الراكدة.
هنا نقول: إن نجاح المسلسلين يكمن في تلك القدرة على التقاط التفاصيل لأن الحياة هي مجموعة تفاصيل نعيشها وليست جمل فوقية ادعائية, فبالقدر الذي تنتقل به الدراما لتصبح تلفزيون الواقع لكن درامياً تصبح كالأدب المعبر الحقيقي عن إنسان هذه الأرض.
من خلال ما تقدم يتضح لنا أن الدراما السورية تغوص أكثر في مجتمعها سواء قدمته كوميديا أم بيئيا أم تاريخيا وتبتعد أكثر عن الارتهان لرأس المال الغبي وتنجز علاقة لم ترجح كفتها بعد لمصلحتها لكنها تكسب نقاطا لمصلحتها في كل موسم درامي تنتجه مع المال الذكي وإن كان من انتقاد أو سلب أو تفاوت , فهو فيها والسبب يعود أنها أصبحت تقاس بنفسها ليس مع غيرها من الدرامات التي تتخبط ولم تجد بعد بوصلتها.
الدراما السورية دراما تستمع حقيقة لنبض الشارع تعمل على توسيع هامش الحرية تناور بخفة الماتدور ثور التابو, إنها دراما عضوية كما يقول غرامشي وهذا ما يجعلها تتعرض لكل هذا النقد وكشف أوجه السلب فيها لأنها دراما مؤثرة ليست كغيرها فقط للتسلية.