وبعد بضع سنوات دخل سلك الرهبنة. ونظراً لانتقاداته المرة على الفلسفة المدرسية حذره رؤساؤه بعدم نشر كتاباته. ولكن حين ارتقى صديقه «جي دي فولك» السدة الباباوية، بعث إليه برسالة يطلب فيها منه «أن يرسل إليه صورة من مؤلفه رغماً عن كل تنبيه صدر أو يصدر إليه من رؤسائه».
انتهز بيكون هذه الفرصة وكتب مؤلفه (مرآة الفلكيات) وأرسله إلى البابا سنة 1267. ومع وفاة البابا نزل عليه سخط رؤسائه وحكم عليه بالعزلة. ثم طرد من سلك التدريس بسبب آرائه الملحدة التي تمزج السحر والتنجيم بالعلوم التجريبية،فرحل إلى باريس بعد أن منع رؤساء الرهبنة تداول كتاباته.
كان بيكون أرسطي النزعة، على الرغم من تأثره بالأفكار الأفلوطينية الجديدة. وبرز كمطلع كبير على كتب أرسطو وشرّاحه، وخاصة كتب المفكرين الإسلاميين حوله، وفي مقدمتهم: ابن سينا والحسن بن الهيثم وابن رشد.
وضع بيكون موسوعته العلمية التي أطلق عليها اسم «الكتاب الأكبر»، ثم أتبعها بكتاب في الكيمياء أسماه «الكتاب الأصغر»، وجاء كتابه الثالث بعنوان «الكتاب الثالث»، ردد فيه بعض ما دونه في الكتابين السابقين، مع بعض الإضافات العلمية.
أما كتاب «مرآة الفلكيات» المنسوب خطأ إلى ألبرت الكبير، فهو دفاع عن التنجيم القضائي؛ اعترض فيه على تحريم التنجيم عام 1277، وربما يكون هذا الأمر سبب هلاكه؛ فقد سجنه رئيس الرهبنة الفرنسيسكاني، البابا نيقولا الرابع، بسبب هجومه على لاهوتيي ومدرسيي عصره، لكن سجنه لم يستمر طويلاً (1277-1279) فسرعان ما بدأ كتابة «موجز دراسة اللاهوت» الذي لم يكتمل بسبب وفاته عام 1292.
كان جل اهتمام باكون بالرياضيات وعلم الأبصار والفلك وتقويم البلدان والكيمياء وعلم اللغات. وكثيراً ما عاب معاصريه على إهمالهم الملاحظة والاختبار. وقد اختص بعلم الأبصار فشرح العين ووصف تأثيرات الانعكاس والانكسار وعرف خواص العدسات المقعرة والمحدبة. قال كريستوف كولومبوس، في رسالته إلى ملك إسبانيا، إنه انتفع بآراء بيكون فيما يخص موقع الهند الغربية، وهذا ساعده على اكتشاف أمريكا. تنبأ بالاكتشافات العظيمة، بالسفن البخارية والسكك الحديدية والمناطيد الهوائية والتلسكوبات قبل ستة قرون من حصولها.