تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


النسر أم التنين؟

ملحق ثقافي
16/6/2009م
ممدوح عزام

كثيرا ما يواجه الروائي العربي , في الحوارات التي تجرى معه السؤال التالي: متى يستطيع الكاتب أن يصبح عالميا؟

وفي الغالب الأعم فإن الروائيين يستحضرون جوابا جاهزا, لا أعرف من الذي ابتكره من أجل التملص من السؤال, أو من أجل الالتفاف حوله, أو من أجل إنجاز المهمة الحوارية المقررة, كما يلي: لا يكون الروائي عالميا إلا حين ينجز فروضه المحلية, أو أن الكاتب يقرر عالميته بقدر ما يمتلئ بالمحلي. وهو جواب سعيد, يضمر حلما بإمكانية انتقال هذا الروائي ذات يوم إلى ذلك النعيم الذي يتطلب منه أن يمر بالضرورة في الطريق الشائك الذي نسميه المحلية,ولكن ما المحلية وما العالمية؟ أعترف بأني إلى وقت قريب لم أكن أعرف كيف يتدبر الروائي أو الكاتب العربي عامة أمر توضيح هذين المصطلحين. فالعبارة التي تقول أن العالمية تبدأ من المحلية غامضة, ولا تحتوي على أي تفاصيل أو أدلة على المحلي المرخص له بالانضمام إلى العالمي, ولا على العالمي المخول بالحكم على أهلية المحلي, أو صلاحيته للانتقال إلى عليائه المبجلة. غير أن من الظلم أن نقول أن الرواية العربية لم تجب عن السؤال الأول على الأقل, فقد أجابت بالكتابة ذاتها, أي بالنصوص الروائية الهامة التي أنجزها عد كبير من الروائيين العرب منذ نجيب محفوظ حتى اليوم, على امتداد مساحة العالم العربي, والمقابل فإن النقد العربي قد انشغل في فترات متقطعة بمحاولة السؤال عن الهوية, وهو سؤال عن المحلي بالضرورة, لكن دون أن يتمكن من انتزاع, أو استخلاص الملامح الضرورية لشرعية التسمية المحلية, إلا في بضعة جوانب كاللغة والموضوعات, ومن الطبيعي في هذه الحالة ألا يتمكن هذا النقد من التعرف إلى العالمي, لا في المحلي , لا في الخارج, غير أن النقد العربي سرعان ما توقف عن إدراج السؤال عن هوية الرواية العربية ضمن أجنداته الراهنة, ربما لأن السؤال لم يكتب بشكل صحيح, أو لأن حماته لم تكن لديهم الهمم الكافية لمتابعة الحفر والتنقيب عن الأدلة والثبوتيات القادرة على تأكيد الهوية, وهكذا تم إيقاف المشروع منذ منتصف الثمانينات, و إحالته إلى الأرشيف, حتى عام 2007, أي إلى ما بعد حضور جائزة البوكر البريطانية كعنصر من العناصر المقررة للجدارة في الرواية العربية.‏‏

اللافت أن مصطلح المحلية قد دفن أو كفن, على الأقل, مخليا المكان, والفضاء أمام مصطلح العالمية, دون أن يذرف النقد العربي دمعة واحدة عليه, كأن حضور هذه الجائزة, أو استيرادها, كي نتحدث بوضوح, قد حسم حالا ملامح الرواية العربية, أو حدد المواصفات القياسية لها, والملاحظ أن الاعتراضات التي طالت الجائزة من قبل النقد العربي أو الناقد العربي تناولت الجوانب الإجرائية, أو الضوابط المطلوبة, أو الكيفية التي يجب إتباعها من أجل تحسين الشروط, والإعداد, دون الدخول في الجوهر.‏‏

تبعا لذلك بدأ مصطلح العالمية يشكل جزءا من وعي الروائي العربي, , ,إذ خيل للثقافة أن الجائزة قد حررت الرواية أخيرا من أوحال المحلي الضيق البخيل, ومنحتها نعمة العالمي الفسيح الكريم, ربما, غير أنني أظن أن ما لم ننتبه إليه هو أننا نذعن أخيرا للمعايير الثقافية التي ناضلت ثقافتنا , وكثير من الثقافات في العالم من أجل التحرر منها أو من إجراء حوار ندي متكافئ معها, وهو الأفضل بلا شك .وهو حوار لا يستبعد رياح المؤثرات قطعا, في الوقت الذي يبحث فيه, ويؤسس للجماليات الخاصة به.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية