هذا ما صار يتردد على لسانِ كل سوري لم يعد يرى منطقته آمنة, وحتى محافظته ولم يعد يأمن على نفسه وأولاده حين يخرجون من البيت إلى ما كانوا معتادين عليه في زمن الأمن والاستقرار الذي استُهدفَ كي تلحقَ سورية بالدول التي نسفوا استقرارها ووضعوها على حوافِ احتمالاتٍ متعددة اجتماعياً ومن ثم اقتصادياً وجغرافياً. نعم لم يعد الحال في بلدنا يحتاج إلى الكثير من التفسير والتأويل حتى ندركه, فالمهم الذي وضعوه في رأس كل حساب أن تسقط الدولة التي ما زالت متمسكة بالعروبة وبالمشروع العربي, وبالحقوق التاريخية في استعادة الأرض المحتلة واسترجاع الكيان القومي الذي تم تقسيمه في سايكس بيكو وعادوا اليوم إلى تقسيم ما كان قد تقسّم بذرائع حقوق الناس المغيّبة وشكل النظام السياسي والاجتماعي المزمع لكيلا تبقى سورية الدولة ولاالسمة العلمانية لنظامها ولاالعيش المشترك وقيمه فيها موجودةً.
ومنذ سنة ونصف والمواطن العربي على أرضه السورية ينظر فيرى معادلةً غير مفهومة له تُمارس عليه فمن جهةٍ يسمع عن آفاق الحريات الموعود فيها, ومن الجهة الثانية يرى أشكال الموت التي يدفعونه إليها, وقد اختلطت الصورة بين الأطراف التي تُظهر الهدف وتُخفي الاستهداف, حيث تحوّلت الحياة السورية في هذه المعادلة المتناقضة إلى أحجية لكنها مكشوفة الحل عند أي لحظة عقل.
ومن طبيعة ما تقرّر أن يحدث لسورية وفيها هو أن تدمر الحياة الوطنية عليها , ويُقاد الناس فيها إلى جبهة ما يُطلق عليه ( من خارج العقل ) حتى تتمكن الدوائر الخارجية التي خططت ووفرت الأدوات والتمويل من تحصيل ما خططت له في أقصر زمن, كما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن والسودان وكان العراق قبلاً, حين تم إرجاع هذه الدول إلى مهام بناء الدولة والمجتمع على أسس غير متوافق عليها, ومؤدية إلى المزيد من الصراع السياسي والوطني والإيديولوجي لا تتأتى معه تنمية القوة الوطنية التي كانت بمقدار ما يتم تدمير الوطن بما ملكه من قوة. وما خططوه للبلدان العربية ليس له مهمة فيها وحسب بل تعدت مهمته خارجها, والمخصوص في هذا الشأن هو سورية فسورية عقدة ارتباطٍ بين جناجي الأمة العربية الآسيوي والإفريقي, وسورية البلد القوي المتاخم للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين العربية, وسورية لم تتخلَّ عن المواجهة مع هذا العدو, ولم تتروّض بمشاريع استسلام كما حدث مع غيرها من البلدان المحسوبة على الأمة العربية, وسورية لا تعمل كما تم فرضه على منظومة العلاقات العربية بأن تكون هذه المنظومة في خدمة الأهداف الصهيوأميركية ولو على حساب الوجود العربي وعروبة المصير على الأرض التاريخية للأجداد. ولأن سورية فوق ذلك تمكنت من التعاون الإقليمي والدولي مع دول ذات قوة وتعتبر لاعباً استراتيجياً مهماً إقليمياً ودولياً, وحصّنت نفسها بحلفاء تستطيع بهم خدمة المصالح السورية العليا والعربية العليا كذلك على مستوى الأمة, فلا بد أن تتوقف عن هذا الطريق ولا بد أن تُحرم هي, ومعها القضية المركزية للعرب فلسطين, وجماهير التحرر العربي على أرض الوطن الكبير من كل مصالح أو تقرير مصير, وتُجبر على الخضوع لآلة العدوان الصهيوأميركي بمساندةٍ من الأشقاء العرب مع كل أسف.
وعليه فالمعادلة بين الهدف والاستهداف قد تم وضعها أمام الجامعة اللاعربية لكي يكون لها القرار اللاعربي. ووضعت أمام البعثة العربية بقيادة الفريق الدابي وحينما نطق بما رآه على الأرض أنهوا مهمته وسحبوا تقريره من التداول. ووُضعت أمام كوفي عنان في بعثة أممية في إطار الأمم المتحدة فلما وصل إلى حقائق الفريق الدابي أجبروه على أن يستقيلَ وتُنهى مهمة المراقبين الدوليين لأن المهم عندهم أن لا يلامسَ المُظْهَرُ, المُضْمَرَ. فالمُظهَر اليوم هو هدف الوصول إلى شكل جديد يوحي للمواطن السوري بأنه أفضل مما يملكه من دولة ومجتمع ونظام, أما المُضمَرُ فهو تأسيس حالة من الاصطراع الداخلي لاتنتهي إلا بهدم الدولة والمجتمع والجغرافيا والوجود الحضاري برمته.
وهذه المعادلة توضع اليوم من جديد أمام الأخضر الإبراهيمي الديبلوماسي العربي الجزائري الموفد من قبل الأمم المتحدة, ومنذ لحظة تكليفه رأينا ونرى, كيف يكلفونه وينهون مهمة فريق المراقبين الدوليين , لكي يُخلوا سورية من بعثة دولية بإمكانها أن تتعرف على ما يجري على الأرض وعلاقته بمصالح السوريين. فالإبراهيمي اليوم يوضع بالضرورة أمام قيم الجزائر بلد المليون ونصف شهيد وأمام قيم العروبة الصامدة والإسلام المقاوم الإيماني, وأمام مخططات التدمير للجغرافيا العربية الراهنة, وللتاريخ العربي المشترك على أرض العرب من الخليج إلى المحيط.
لا شك أن المهمة التي كلف بها الإبراهيمي تستنفر الضمير القومي عنده أولاً وتدعو كل ضمير قومي إلى الصحوة والانتباه والاعتبار, لكي يُدرك الجميع على الأرض السورية وكذلك على أرض الأمة العربية ما هو المطلوب من معادلة (المُظهر والمُضمر)، ونعمل معاً على إنجاح خطة الهدف ومعادلته التي هي في مصلحة الجميع ونقاومُ معادلة الاستهداف التي لن يكون لنا معها سوى المزيد من التقاتل والخراب والموت.