تحدياً كبيراً تفرضه المرحلة الراهنة بهدف الارتقاء بالقدرات الإنتاجية للقطاع العام الاقتصادي، رغم حجم الترهل الكبير الذي لحق ببعض مؤسساته وأصبح من الضروري معالجتهُ قبل أن تصبح هذه المؤسسات عاجزةً عن توفير متطلبات المرحلة القادمة .
هذا ويعتبر قطاع الصناعات النسيجية من أهم الصناعات الإستراتيجية التي اشتهرت فيها سورية قبل بداية الحر، حيث عانى هذا القطاع كغيره من القطاعات الإنتاجية من تبعات الحرب الإرهابية التي تتصدى لها سورية، حيث قدرت خسائره حتى عام 2018 بـ 203 مليار ليرة، وهو ما استوجب المتابعة الحكومية المستمرة لتذليل العقبات التي تعترض صناعييه بما يمكنهم من إعادة إقلاع معاملهم بالتوازي مع مراجعة آلية عمل المؤسسة العامة للصناعات النسيجية خلال الفترة الأخيرة لجهة تنفيذ الخطط الإنتاجية والتسويقية والاستثمارية المناطة بها، وبما يمكنها من أخذ دورها بين القطاعات الصناعية المساهمة بتعزيز الاقتصاد الوطني.
مديرعام مؤسسة الصناعات النسيجية الدكتور نضال عبد الفتاح أكّد ( للثورة ) أنَّ صناعة الغزل في سورية تتركز بالقطاع العام الذي أنشأ مجموعة مشاريع ضخمة تنتج كافة أنواع الخيوط القطنية والممزوجة والمسرحة والممشطة والحلقية والتوربينية، وإنشاء عدة منشآت لصناعة الغزل القطني والصنعي، حيث يتبع للمؤسسة ٢٥ شركة متخصصة (٩ شركات غزل و ٨ نسيج و ٨ متخصصة بإنتاج الألبسة الجاهزة والداخلية والصوف والسجاد والجوارب)، مشيراً إلى أن هناك 11 شركة منها متوقفة عن العمل نتيجة التدمير الإرهابي الذي تعرضت له وهو ما أدى إلى انخفاض الطاقة الانتاجية للمؤسسة بشكل كبير وانعكس سلباً على القطاع النسيجي ككل.
لجنة رسم السياسات والبرامج الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء وبعد اجتماع موسع برئاسة المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء قيمت واقع عمل المؤسسة في إطار برنامج إصلاح مؤسسات القطاع العام الاقتصادي الذي أقرت الوثيقة التنفيذية له مطلع العام الحالي وضعت خطة متكاملة للنهوض بعمل هذه المؤسسة من خلال النظر بحل الشركات المتوقفة عن العمل وتشميل الصناعات النسيجية بسياسة إحلال بدائل المستوردات بهدف إتاحة الفرصة أمامها للمنافسة في السوق المحلية وإنتاج أصناف جديدة تحقق قيمة مضافة لها، وتشكيل لجنة لحساب التكاليف الفعلية للإنتاج والمحفزات التصديرية اللازم تقديمها للمؤسسة لتتمكن من استهداف أسواق جديدة، مع السماح لها بتصدير منتجاتها بالقطع الأجنبي وإقامة دورات تدريبية متكاملة للعمالة الموجودة في المؤسسة بما يمكن من تطوير خبراتها وتوظيفها بالشكل الأمثل لرفع الطاقة الإنتاجية للمؤسسة والتخلص من البطالة المقنعة .
وأشار إلى أنه وضمن التوجه الحكومي لتصريف مخازين مؤسسات القطاع العام الاقتصادي المتراكمة منذ سنوات ووفق استراتيجية تسويقية متكاملة تم العمل منذ بداية العام على تصريف مخازين الألبسة الجاهزة والغزول القطنية والأقمشة حيث تم تصريف ما قيمته 18 مليار ليرة حتى تاريخه، وإبرام عقود لتصريف منتجات المؤسسة النسيجية بمبلغ يزيد عن 15,6 مليار ليرة إضافة إلى إبرام عقود لتصدير الغزول القطنية الى عدد من الدول بلغت لغاية تاريخه 4800 طن وبقيمة تزيد عن 5,3 مليار ليرة.
وكان لقطاع الصناعات النسيجية نصيب وافر من الجهود المبذولة لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة وصيانة خطوط الإنتاج المعطلة في مختلف المجالات الصناعية بما يؤمن حاجة السوق المحلية ويستهدف أسواقاً خارجية جديدة حيث تم صيانة وإعادة تشغيل الآلات في الشركة الخماسية ما مكنها من تلبية حاجات المشافي من الشاش والقطن الطبي، وزيادة الآلات العاملة في شركة النايلون و الجوارب إلى 28 آلة من أصل 34، وزيادة عدد الآلات العاملة بشركة جبلة للغزل إلى 72 آلة وإصلاح آلتي تطبيق فيها بطاقة إنتاجية تقدر ب 3 طن يومياً، وإقلاع صالة الألبسة الجاهزة بمقر الشركة السورية للغزل في حلب ويتم استكمال مشروع تجهيز خطي إنتاج ضمن صالات الشركة وافتتاح مركزي بيع للغزول المنتجة لدى المؤسسة في محافظتي حلب ودمشق وإحداث مراكز إنتاجية تابعة للشركة السورية للألبسة الجاهزة (وسيم) كما يجري العمل على التوسع في إنشاء الوحدات الإنتاجية في المحافظات ذات التجمعات السكانية الريفية مع إعطاء الأفضلية لتشغيل ذوي الشهداء.
هذا وتشهد الصناعات النسيجية تقديم متوالية دعم حقيقية بدءاً من دعم شراء محصول القطن من الفلاحين وتشجيعهم على زراعة القطن من النوعية الممتازة واستبعاد أجور نقل الأقطان والبالغة ١٧٠ ليرة للكيلو الواحد، وصولاً إلى إجراء تخفيض جديد على أسعار الغزول القطنية المنتجة لدى شركات المؤسسة بنسبة تتراوح بين 10 و 15 بالمئة، واستمرار العمل بالقرار المتعلق بإيقاف استيراد الغزول المنتجة محلياً بشرط أن تكون منافسة من حيث السعر والجودة، وتقديم التسهيلات اللازمة لصناعة الخيوط غير المنتجة محلياً من خلال إقامة مصانع جديدة أو إدخال خطوط إنتاج إضافية وغيرها من القرارات الهادفة إلى توفير الحماية المطلوبة لهذه الصناعة، وتنظيم دخول المنتجات النسيجية بما يمنع الإغراق والمنافسة بسلع ذات مواصفات متدنية، مبيناً أنه تم في شركة الصوف والسجاد تصنيع خيوط ممزوجة من الصوف والإكرليك والتي تدخل في صناعة السجاد، ما مكن من الاستغناء عن استيراد تلك الخيوط وتوفير ملايين الليرات، إضافة إلى تصنيع خيوط نمرة 40 بهدف زيادة تنافسية الخيوط القطنية والممزوجة المنتجة، وإعداد دراسة جدوى اقتصادية لإقامة مجمعي نسيج متكاملين في محافظتي دمشق وحلب للغزل والنسيج والصباغة والطباعة والتحضير والتفصيل كما يتم التنسيق مع وزارة السياحة لطرح عدد من الشركات المتوقفة قبل الحرب والمدمرة للاستثمار السياحي بسبب عدم الجدوى الاقتصادية من إعادة تشغيلها بنفس النشاط الصناعي.
الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تحد من تأمين المستلزمات الأساسية اللازمة للعملية التصنيعية فرضت التركيز في هذه المرحلة على الصناعات النسيجية التي تعتمد في صناعتها على مستلزمات الإنتاج الخام من السوق المحلية ولاسيما القطن والصوف التي تمكن الشركات التابعة للمؤسسة من تنفيذ نسباً إنتاجية معقولة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها صناعتنا المحلية وخاصة فيما يتعلق بعمليات الاستبدال والتجديد لخطوط الإنتاج وما تحتاجها من تقنية وتكنولوجية متقدمة.
وأوضح الحاجة الملحة للتنسيق بين مؤسسة حلج وتسويق الأقطان ومؤسسة إكثار البذار لتحسين جودة بذور القطن وفق الأصناف المعتمدة، والاستمرار بدعم وتشجيع مشروع الري الحديث، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على انخفاض تكاليف زراعة القطن وتأمين قاطفات قطن آلية متطورة من قبل مؤسسة حلج وتسويق الأقطان بما يساعد على تأمين حاجة مصانع الغزول القطنية والزيوت لدى القطاعين العام والخاص والمقدرة ب (250_300) ألف طن قطن محبوب.
هذا ويبدو أن التوجه الحكومي جاد للانتقال بواقع المؤسسة إلى مرحلة الربح عبر تطوير وتحفيز الصناعات النسيجية في جميع مراحلها بدءاً من زراعة القطن وصناعة البذور وتأمين مدخلات الإنتاج من البذور لكافة مراحل الصناعات النسيجية بتكاليف تتوافق مع الأسعار العالمية بحيث تؤمن الريعية والاقتصادية، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود لتعظيم القيمة المضافة للمراحل القائمة في هذه الصناعة واستكمال المراحل النهائية من التصنيع من خلال توفير ظروف العمل المناسبة التي تتيح الخروج من نمطية الإنتاج وتطوير صناعة النسيج بشكل عام وإنتاج سلع جديدة ومتطورة تلبي حاجة السوق المحلية والخروج من دائرة إنتاج الأصناف والسلع غير المسوقة، أملاً أن تستعيد هذه الصناعة الاستراتيجية مكانتها وتميزها وتعزيز دورها في التنمية ودعم الاقتصاد الوطني.