.
أما الحركة السلفية فلم يكن لها الحضور ذاته في المشهد السياسي ولكنها فرضت نفسها على أرض الواقع من خلال ظهور أفرادها الاستعراض المتكرر في الشارع واختلطت ردود أفعال التونسيين حيال هذا الظهور بين الدهشة والخوف وأصيب كثير منهم ممن لم يالفوا رؤية هؤلاء إلا في أفلام السينما والفضائيات والمسلسلات بالدهشة والخوف، وهم يطلون بلحاهم الطويلة وشواربهم الحليقة وراياتهم السوداء والبيضاء وقامت النخب الثقافية والسياسية العلمانية بتحركات موازية لمحاصرتهم والتعبير عن الاستهجان من تصرفاتهم
.
كما قرر السلفيون نقل معركتهم إلى الجامعات ومحاولة فرض ارائهم على الطلبة واجبار الطالبات على ارتداء الحجاب وحدث التصادم بين ادارات هذه الجامعات وبينهم كما حصل في كلية الآداب في جامعة سوسة وجامعة بمنوبة.
ولا تنتظم الحركة السلفية في تونس تحت اطار حزب واحد بل تمثل أكثر من تيار مثل الجبهة الاسلامية وجماعة الدعوة والتبليغ وجند أسد ويقودها أكثر من شخصية أشهرها البشير بن حسن وأبو عبد الله المظفر وأبو جهاد ويتخذ معظم هؤلاء كنى مستعارة وبعضهم كان بالمنفى والبعض الآخر في السجون التونسية والايطالية وحتى غوانتنامو بتهمة الارهاب والتحريض على الجهاد في العراق والجزائر وأفغانستان وموريتانيا وبعض المناطق الساخنة في العالم ويرى الكاتب التونسي توفيق المديني أن ظاهرة العنف السياسية أصبحت ظاهرة مجتمعية وسياسية في الوقت نفسه ولاسيما في مرحلة ما بعد الثورة وتسلم حكومة الترويكا مقاليد السلطة وتزايد موجات العنف من قبل بعض الجامعات السلفية المتحالفة مع الجناح المتشدد لحركة النهضة الاسلامية القوة المسيطرة على الترويكا الحاكمة.
ويؤكد الباحث أن هذا العنف اتخذ أشكالا متعددة في ظل الفراغ السلطوي إضافة إلى هشاشة الحكومة المؤقتة وبدأ التونسيون يعتادون على مشاهد ملاحقة السلفيين وأعضاء القاعدة للسيدات في الشوارع لحملهن على ارتداء الحجاب أو النقاب وعلى حرق المكتبات والهجوم على المنتجعات السياحية لطرد السياح وفرض منظومتهم العقائدية التي يؤمنون بها ويتمسكون بها ولا يقبلون فيها نقاشاً أو حواراً في مجتمع يغلب عليه الاسلام المعتدل.
ويقدم الباحث تفسيرات عديدة لممارسة هذه الجامعات العنف على الرغم من المسافة الكبيرة التي قطعها الشعب التونسي في مجال الحديث منذ القرن التاسع عشر نخبة ومجتمعاً ودولة وأولها التحالف الذي أقامته مع حركة النهضة وعدم التوجه الحقيقي من جانب حركة النهضة نحو بناء دولة ديمقراطية تعددية أي دولة مدنية واقامة دستور ديمقراطي وهذا ما كشفه الخطاب المزدوج لرئيس الحركة راشد الغنوشي.
أما السبب الثاني فهو الانقسام الواضح داخل المؤسسة الأمنية التونسية بين من يؤمن بقيام الدولة المدنية أو من تابع لحركة النهضة الاسلامية الحاكمة في ظل تشتت العمل داخل وزارة الداخلية بسبب وجود عدة أطراف نقابية تعرف بنفسها بوصفها منحازة للثورة وتطرح بقوة استخدام الحزم والشدة ضد هؤلاء مقابل أطراف أخرى تعمل بمنطق الولاء للسلطة الحاكمة مهما كانت.
والسبب الثالث يعود إلى تعثر الايديولوجيات اليسارية والقومية والليبرالية حيث أصبحت الرقعة التي تنمو داخلها الأفكار الديمقراطية والليبرالية ضيقة جداً وذهاب قسم كبير من جيل الشباب نحو التدين مامهد المجال أمام الحركات الاسلامية لاستقطاب عدد كبير منهم.