تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الإعلان الدستوري ومشروع الدستور الجديد في مصر.. خطوات لـ «أخونة » الدولة

قاعدة الحدث
الخميس 6-12-2012
إعداد: سائد الراشد

بعد أكثر من عام ونصف من التشاحن السياسي والتنافس الحزبي والغياب الأمني وفوضى التظاهر التي اجتاحت مصر من تظاهرات فئوية أو سياسية أو فكرية أو إعلامية، لم يعد هناك فارق بين التظاهر في الميادين والتظاهر السياسي في وسائل الإعلام،

وبدأت تتحول مصر يوماً بعد يوم إلى مملكة أخوانية ديكتاتورية بمسمى جمهوري “دستوري” وغطاء ديمقراطي شكلي وحجاب ثوري زائف، حيث لا علاقة للإخوان المسلمين بالديمقراطية لا في تشكيل تنظيمهم القائم على الاستبداد أو احترام آراء الآخرين، فهم كما الظواهري والعرعور لا يكنون أي احترام لوجهة النظر الأخرى.‏

رغم أن جماعة الإخوان المسلمين لم تشارك منذ البداية في المظاهرات التي شهدها ميدان التحرير، للمطالبة بإسقاط نظام حسني مبارك إلا أنها حصلت على كل مكاسب هذه الثورة، وسرقتها من صناعها الحقيقيين، بدءاً من السيطرة على الأغلبية العظمى في مجلس الشعب والشورى وصولاً إلى الرئاسة، ما دفعها بالنزوع إلى الهيمنة والسيطرة السلوك الذي أغضب وأبعد الكثيرين من حلفائها السابقين في الجماعة الوطنية المصرية.‏

اعتمدت حركة الإخوان الكذب والخداع في كافة مواقفها كالترشح لانتخابات مجلسي الشعب والشورى، والتخلي عن الالتزام بوضع سقف أعلى للمقاعد المراد الحصول عليها، وغيرت موقفها بشأن الانتخابات الرئاسية ودفعت بمرشح على عكس وعود سابقة قطعتها، وسعت للتغلغل بأجهزة الدولة التنفيذية والإدارية، وتسببت في تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور مرتين على نحو صادم وبعيد عن التوافق الوطني، وعندما بدأ النقاش حول انتخاب الجمعية التأسيسية التي ستضع دستور مصر الجديد، أكد الإخوان المسلمون أن الإسلاميين لن يهيمنوا على الجمعية التأسيسية، لكن البرلمان المصري كان له اختيار نصف أعضاء الجمعية التأسيسية، التي يبلغ عدد أعضائها مئة عضو، وبذلك شكل الأعضاء المنتمون لحزب الحرية والعدالة، وحزب النور السلفي الأغلبية في الجمعية، ما دفع الأحزاب الليبرالية واليسارية إلى اتهام نظيرتها الإسلامية بعدم التصرف بديمقراطية.‏

والآن يظهر جلياً أن الإخوان هم من يحكمون في الأشياء الجوهرية والرئيسية، أما المسائل الهامشية فمتروكة للرئيس ولرئيس الوزراء، ويتم الاستيلاء على كل مفاصل الدولة، فاللجنة الاستشارية والمساعدون والمجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للصحافة والمحافظون، جميعهم إما إخوان أو عناصر أخرى كانت تواليهم، ممن كانوا يطبلون للإخوان، فالإخوان يضعون من ينتمي لهم ومن يؤيدهم في جميع المواقع، إلى جانب أن القناة التي تهاجمهم يغلقونها، والصحيفة التي تهاجمهم يسجن رئيس تحريرها، كما حدث مع “الفراعين والدستور ومجموعة دريم”، وديكتاتوريتها لم تمارس بهذا الشكل حتى في أيام “مبارك” على هذا النحو.‏

المجلس العسكري كان يحتفظ بالسلطتين، التنفيذية والتشريعية، في إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية، واليوم مرسي بعد إقصاء المجلس أصبح مستحوذاً على كل من السلطة التشريعية والتنفيذية والعسكرية، قرارات مرسي لم تكن بناءً على اتفاق بينه وبين العسكري، ولكنها خيانة جديدة من مرسي ومن ورائه الإخوان للمجلس، وهذه القرارات من الناحية القانونية باطلة لأنها ألغت الإعلان الدستوري المكمل الذي أقسم مرسي على حمايته، ويعد ذلك التعدي الثاني لمرسي على اليمين الدستوري، ومن الناحية السياسية أو العسكرية فمرسي تعدّى تعدياً صارخاً على قانون المؤسسة العسكرية بترقية مزدوجة للواء عبد الفتاح السيسي من لواء إلى فريق أول متعدياً على رتبة الفريق، وتلك الإجراءات الاستثنائية في الترقيات لا تُتخذ إلا في حالة الحروب والمصائب وقلة عدد الرتب والكفاءات.‏

إن الثورة سُرقت ولم تكتمل بسبب تصرفات جماعة الإخوان المسلمين، ومصداقية الإخوان في الحضيض، وأظهرت الاشتباكات الدموية الأخيرة التي شهدها ميدان التحرير والمعروف بأنّه “قلب الثورة المصرية” مدى الانقسام السياسي الواضح في المشهد المصري، وعدم قدرة مرسي على تحقيق ما وعد به من توافق سياسي بشأن القضايا الملحة، وتتصاعد المخاوف من تكرار نموذج التنكيل بالمعارضة على غرار ما كان يحدث إبّان حكم مبارك، فالاشتباكات أسفرت عن إصابة 110 أشخاص، وتبادل الاخوان ومعارضوهم القذف بالحجارة والزجاجات، وهتف النشطاء “الشعب يريد إسقاط النظام” وهو الهتاف الذي تردد كثيراً خلال الثورة المصرية.‏

والإعلان الدستوري هو استمرار لمظاهر أخونة الدولة واستكمالاً للاستحواذ والانفراد بكل السلطات وإجهاز على مبدأ استقلال القضاء وتعد على الشرعية وتحصين لقرارات وقوانين لا تهدف إلا لتمكين قبضة جماعة الإخوان على الحكم وهو إرساء لمبدأ ديكتاتوري يتعارض مع الديمقراطية ويتعارض مع المطالب الشعبية في بناء دولة القانون والمؤسسات ويفرض حالة الطوارئ بصورة غير مباشرة، ويعزل دولة مصر عن العالم في خرق صريح لحقوق الإنسان، وهو بمثابة إعلان الرئيس لساعة الصفر لبدء الحرب الأهلية بعد صدور هذه القرارات المرفوضة رفضاً تاماً لكل القوى الثورية ولكل وطني حر.‏

وفي تتويج لسلسلة من المفارقات التي واكبت تداعيات الأزمة، قالت صحيفة “يديعوت احرونوت” الصهيونية، أن سنوات حكم مبارك الاستبدادية لم تنته حتى الآن، وأن صورة مصر الجديدة لم تتشكل بعد, على الرغم من مرور أكثر من عام ونصف على قيام ثورة 25 يناير، فمازالت بقايا النظام السابق تتمتع بجبروتها، وما حدث للمحتجين بميدان التحرير من استخدام أساليب قمع ضدهم بيد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي خير شاهد، وذلك تنفيذاً منهم لتعليمات المرشد الأعلى، وأضافت أن تكليف النائب العام بمنصب سفير مصر بالفاتيكان, ما هو إلا إقالة غير صريحة من الرئيس مرسي.‏

المفارقة المفجعة لغالبية المصريين أنه في الوقت الذي ثاروا فيه على نظام مبارك لتنامي حالة الفساد والاستبداد والارتهان في عهدة متطلعين إلى عهد مصري جديد تسوده العدالة والمساواة والحرية والمشاركة السياسية الحقيقية في إدارة الدولة والثروة، هاهي مصر بعد سيطرة الإخوان تكرس حالة الفساد والاستبداد وفرض الأمر الواقع من جديد بل إن الكثير من المعارضين لسياسة الإخوان يصفون الحالة المصرية اليوم بالأسوأ مما كانت عليه في عهد مبارك من حيث الحريات والانفتاح النسبي على الآخر والوضع السياسي والاقتصادي والأمني، وهؤلاء المعارضون ليسوا من بقايا أو فلول النظام السابق بل حلفاء وشركاء الإخوان المسلمين الذين نزلوا إلى الشارع للمناداة بإسقاط مبارك ونظامه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية