إلا أن نجاح الفلسطينيين بالحصول على اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولتهم بصفة مراقب غير عضو يشكل خطوة حقيقية نحو استعادة كامل الحقوق الفلسطينية التي تحتضنها دولة بسيادة وحدود وحقوق وعاصمة واضحة وكاملة وغير منقوصة ، انطلاقا من دلالة هذه الخطوة الواضحة التي تعكس انحيازاً وتأييداً من قبل المجتمع الدولي برمته لإقامة دولة فلسطينية حتى لو كانت تلك الخطوة تخفي بين طياتها هروبا لبعض الدول من تحمل مسؤولية مابعد هذا الاعتراف الدولي كامتداد طبيعي لهروب ماقبل هذه الخطوة الى حيث كانت القضية الفلسطينية تقارع طواحين الهواء تحت عنوان (المفاوضات ) التي اخترعتها الولايات المتحدة الأميركية والغرب لتمييع وتذويب القضية مستغلين في ذلك العامل الزمني ظنا منهم انه يمكن إسقاط الحق الفلسطيني بالتقادم.
وعليه فإن هذا الانجاز الفلسطيني الذي يرقى الى مستوى الانتصار بعد معركة سياسية ودبلوماسية استمرت لشهور مع الطرف الإسرائيلي الأميركي خصوصا ومع الغربي عموما استطاع خلالها الشعب الفلسطيني فرض إرادته رغم كل ذلك الكم الهائل من الضغوطات والتهديدات .. قد يكون بداية تحول ايجابي لمسار وطريقة التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية استنادا الى الواقع الجديد الذي فرضه الشعب الفلسطيني ، ذلك الواقع الذي قلب المعادلة الأميركية التي تقول :( إن الطريق الوحيد الواقعي لكي يكون للفلسطينيين دولة يمر بالمفاوضات المباشرة مع «إسرائيل» ) ، والتي لاتزال تستخدمها الولايات المتحدة في إدارة الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي والتي لم تقدم للجانب الفلسطيني سوى المزيد من الالم والدمار والاندحار والتراجع الى الخلف، وهو الأمر الذي دفع بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الى وصف موافقة الأمم المتحدة على القرار الذي عارضته واشنطن، بأنه يلحق ضررا بعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين .
الإنجاز الفلسطيني يكتسب أهميته من انه وحد خلفه كل أطياف وقوى وفصائل الشعب الفلسطيني الذي قسمته الخلافات السطحية والتفاصيل السياسية المتخمة بالألغام والفخاخ التي وضعتها الأيدي الصهيو- استعمارية بهدف اغتيال القضية الأساسية للشعب الفلسطيني الذي نجح في كثير من مراحل الصراع مع العدو الإسرائيلي قي تفكيك الكثير من تلك الألغام والفخاخ التي لاتزال توضع على طريق قضيته ، كما يكتسب هذا الانجاز زخمه من انه يأتي بعد انتصار الشعب الفلسطيني في حرب غزة الاخيرة الشهر الماضي والتي فرضت واقعا جديدا بمعطيات ومفردات مختلفة عن سابقاتها على الرغم من كونها كرست مجموعة من الحقائق الموجودة على الارض .
الارتدادات الجديدة لهذا الانتصار المزدوج للشعب الفلسطيني (في الامم المتحدة وغزة ) بدأت بالظهور على الفور عند الكيان الصهيوني الذي سارع الى القول عبر رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو ان ماحدث لا معنى له، ولن يغير شيئا على الأرض،مؤكدا أن فلسطين خالفت التفاهمات مع الكيان الصهيوني الذي ترجم غضبه بالإعلان عن انشاء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية القدس والضفة الغربية مع التأكيد الإسرائيلي على الاستمرار بهذا النهج الاستيطاني ، بالتوازي مع الاعلان وقف تحويل عائدات الضرائب والرسوم الى السلطة الفلسطينية وبالتناغم مع ردات الفعل التي صدرت عن الادارة الأميركية التي استبقت الخطوة الفلسطينية بسيل عارم من التهديدات والضغوطات الاقتصادية والسياسية التي ستترجم الى ارض الواقع بحسب تصريحات بعض المسؤولين الاميركيين خلال الايام القليلة القادمة كخطوة اولية على طريق معاقبة الشعب الفلسطيني .
الرد الانتقامي الاسرائيلي على حصول فلسطين على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة اعلن بشكل رسمي على لسان يوفال شتينيتس وزير المالية في حكومة الاحتلال الذي قال في بداية الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية : إنه سيتم تجميد ما يعادل 92 مليون يورو كان يفترض تحويلها خلال الشهر الحالي ملوحا بأن رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة لن يمر من دون رد من جانب إسرائيل
وفي هذا السياق، قالت صحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية: إن الرد الإسرائيلي على اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين بصفة عضو مراقب جاء سريعا حيث صدقت حكومة بنيامين نتنياهو على بناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية في الأراضي المحتلة كاشفة أن الأخير أعطى الأمر باستئناف الاستيطان في المنطقة المصنفة «اي واحد» بين مستعمرة معاليه ادوميم والقدس المحتلة .
وذكرت الصحيفة أن هذه المنطقة تعد حساسة وظل المشروع الاستيطاني فيها مجمدا لسنوات حيث يعارضه الأميركيون والأوروبيون ويعدونه خطاً أحمر لأنه يهدف إلى وصل «معاليه ادوميم» بمستعمرات استيطانية بالقدس المحتلة ما يؤدي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين الأمر الذي يشكل تهديداً لفرص قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة .