,يغيب جمال الروح فتزدحم عيادات أطبّاء التجميل بطالبات الشفط والنفخ والتكبير والتنحيف .....وتمجيد الجسد الفريسة.
قس على ذلك في السياسة وأحداثها ,فما أن يتأزّم الوضع حتى ينبت المحلّلون – كالفطر - أمام الكاميرات والميكروفونات وغيرها من وسائل الإعلام والمواقع الباحثة عمّن يملأ فضاءاتها الافتراضيّة.
إذن,وبناء على ما تقدّم ,لا غرابة اليوم أن تصادف سمكريّا أو بقّالا أو خضريّا أو كهربجيّا ,يرطن بالسياسة ,يحلّق ويتعمّق في تحاليله وقراءاته للوضع السائد وهو ينشّ الذباب من حوله وقد كسدت تجارته وتوقّفت حرفته وتعطّلت وظيفته بفعل الوضع الذي أفرغ جيوبه من النقود وملأ رأسه بالمزاعم والتأويلات.
صرنا – نحن العرب – نصدّر الفائض من المحلّلين السياسيين إلى مختلف فضائيات العالم ,فهل تجاوزنا مرحلة الاكتفاء الذاتي من القطن والقمح والنسيج والسياحة ...والسلم والكلام.
أمّا الأطرف من ذلك فإنّ أساليب التحليل والقراءة السياسية تختلف باختلاف المدارس التي تحكمها المناهج والمصالح والإيديولوجيات, فجاري أبو شفيق بائع الموبايلات مثلا ,يجلس خلف طاولته ويمسك بالقلم بين يديه مستعينا ببعض المفردات المصرية ويقرأ الوضع على طريقة حسنين هيكل ,أمّا حسام الحلاّق فما ينفكّ يذكر في صالونه اسم الصحفي البريطاني –ذائع الصيت- وقد اكتشف اسمه حديثا ,وكثيرا ما كان يصطدم مع صانعه الذي لا يخفي إعجابه بالمحلّلين اللبنانيين ويستعير لهجتهم كلما حشره معلّمه في الزاوية ....وكثيرا ما كنت أهدّئ اللعب بين الاثنين عندما يحمي وطيس النقاش ,أثني على رحابة صدر المعلّم وأطلب منهما استراحة قصيرة لشرب الشاي (أي بريك) بلغة الفضائيات و(تي تايم) على طريقة الانكليز.
شخصيا ,لم أتمالك نفسي عن الإدلاء بدلوي أمام أبناء حارتي من المحلّلين المتحمّسين ,وكثيرا ما كنت أصطدم مع جاري اللحّام ذي الرأي المتشدّد ...أمّا جاري البقّال وبائع السجائر فكان غالبا ما يلين ويوافقني الرأي كلّما سدّدت له دينه وابتعت من دكانه.
يحدث أن تتعارض وتتصادم آراء أبناء حارتي الذين أحبهم :(أبو عمر مع أبي حسين مع أبي سلمان مع أبي غسّان مع أبي حسكو مع أبي اسماعيل مع أبي سنحريب)....لكنهم يعودون لشرب الشاي والضحك .
هل كنّا - نحن العرب – نجلس فوق برميل بارود ونظنه أريكة مريحة, ,هل استيقظت الفتنة النائمة على حدّ قول الأمام علي ,ومن أيقظها يا ترى؟ ...أم أنّ الأمر مجرّد احتقان ويزول ...رغم الجراح.
(المحلّلون السياسيون) في بلاد العرب مثل محلّلي الدم والبول و غيره في المخابر التجارية الرخيصة ,ينبّهون لوجود داء غير موجود أو يبشّرون بصحّة جيّدة ووهميّة (تفتك) بالمريض المغفّل فور خروجه من مخابرهم.
قد يكون(المحلّلون) هم المرض والمرضى ,فلنتجنّبهم قدر الإمكان ونكتفي بالصبر والدعاء لنا ولهم ...وعلى الذي كان سببا في وجودهم...طبعا ,هم ليسوا في وجود أزمة ..بل في إذكائها.