تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وطن أو وطن..

آراء
الخميس 6-12-2012
حسين عبد الكريم

كلمات نكررها مرة أو عدة مرات، فتتعب، ونتعب معها، وتتقدم باستقالتها من الاستمرار المتجدد والحداثة الحياتية.. تتفاقم أوضاعها فتسقط بالتقادم كالخدائع..

وكلمات تبقى بكامل دهشتها وحبيتها على مر اللحظات والاتهامات التي يبرع بها وجدان مفخخ بالبؤس أو ملغم باليأس ... كلمات ليست كالكلمات وليست من حروف ونقط وجزم وجر ورفع وتحليلات لغوية وتفسيرات نحوية وصرفية.. إملاؤها أستاذ الإملاء والهمزات..‏

الوطن أو الوطن، خيار عقلي ووجداني وجغرافي وكرامة كاملة اللغة واللغط واللهجات الروحية والمكانية والزمانية.. كلمة كاملة الكيان والحنان كحليب الأمهات، وسطر أول وأخير ومقدمة ونهاية ووسط فيه نحن وهم وهن وأنتم وأنتن وأولئك وهؤلاء وذلك وتلك.. شعبي وبلدي وفطري ونوعي وثقافي..‏

وطننا من كثرة ما هو وطن وطيب وطبيعي كعواطف الأنهار المتدفقة من فم الينابيع وأبهة الصخر والتراب والسفوح.. من كثرته الوجدانية والروحية والجغرافية والانتمائية يهل على الأبناء والبنات بالأجراس والأعراس والتراتيل والصلوات والفرح والأعياد، والمواسم كالآباء القديسين العائدين من الرحلات الايمانية بصلوات تشبه أجمل ما في القلوب.. وطن يسيجنا بالدموع والشموع ورغم أحزانه الشاملة لا يبخل على أحد من أطفاله أو شيوخه أو نسائه أو رجاله.‏

بباقة من أفراح وطنية جميلة ورزمة جيدة من تفاؤلات تحتفظ برونقها في أحوال الطقس الباردة والحارة..‏

وطن أو وطن، ولا كلام بعد هذا الكلام، ولا وجدان بعد هذا الوجدان.. وهو آخر وأنظف القناعات..‏

كالرعاة الجميلين يلبس في الصباح الأغاني ويطلع على باله الحزن الشتوي والغناء والغابات والأسرار والأشواق..‏

وكالعشاق الفهيمين الذين يسطعون وسط كروم الأهوال والصد واللف والدوران..‏

وطن ساطع وممتلئ بربوعه وربيعه وفصوله التالية ويحتمي بالعيون والظنون والتعقل والجنون والأيام والسنين.. هاجس في كل فرد وفي الجميع.. وهل من أحد أو إحدى ليس في تفكيره وخواطره؟!.‏

في المدرسة الابتدائية يتمرن الطلاب على رسمة زهرة وشجرة وغيمة وعائلة وساقية ونجار وخياط وموسيقي وآلات موسيقية ويتمرنون على رسوم رياضية وجغرافية وطبيعية وعلى فنون الحروف والخطوط الرقعية والكوفية.. الخ.‏

وقبل هذه الرسوم وبعدها وأثناءها يتمرنون على وطن.. يتلعثم الوجدان والوعي بالوطن تلعثماً عميقاً وحنوناً ثم يداوم على عافيته وتمام سلامته البيئية والعاطفية.. الوطن كل الخطوط والحروف والنطق والعواطف التي لابد من أن نتلعثم بها عند حافات الوجع والبدايات ثم نبقى ونبقى.‏

وتبقى القامات والمفاهيم ثم الوطن والوطن..‏

حبنا المؤبد والأبدي مثل الحياة أو الحياة.. الوطن مهنة الروح الأقدم والأقدس من حيث معلومات ومحفوظات البقاء والأنفة والبهاء والنماء.. من دونه لا ينمو الحب ولا يترعرع شجر الكرامات.‏

الذين يتلعثمون بالوطن مرضياً وبالخيانات الضارية أو الملونة هؤلاء يموتون روحياً في سن مبكرة وتلعثمهم من النوع المجحف والثرثار والفاحم والقاحل غير الذين يتلعثمون بالوطن ليتعلموه مرة وإلى أبد الآبدين ودهر الداهرين.‏

العديدون والعديدون يقدمون موتهم هدية عظيمة في وقت الوطن وجرح الوطن .. يقولون موتهم ليكبر قول الوطن ويتلعثمون بالنزف وكرامة الدم ليست مرضاً أو قلة فصاحة.. بل يتعللون أنهم من أجله وإليه وفي رعايته.. الموت مهنة الحياة وذروتها حين يكون الوطن .‏

المختنقون بالفاقة الأخلاقية والأفكار المفخخة بالظلام لا يجيدون الهواء العليل فيحيون فقراء روحياً ويموتون بفقرهم الروحي الأسود..‏

والفقر الروحي الذي يعصف بزماننا أبشع أنواع الفقر وألد أعداء العافية الوطنية.‏

وطن أو وطن.. نباهة أولى عالقة بالوعي والذوق والتوق بل هو نباهة النباهات.. أجمل آنسات الصفوف تلمس الخد بطرف اصبعها تنبيهاً لخطأ أو إهمال.. وبعدها لا ينسى الطالب أو يهمل..‏

الوطن تنبيه الكرامات الأبدية..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية