تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رأي.. الصورة والكلمة.. وقدر النصوص الجديدة

ثقافة
الأربعاء 4-5-2016
علي الراعي

ثمة كائنٌ قال ذات حينٍ بعيد جملةً ومضى، قال الرجل، وقد يكون القول لامرأة لانعرف، ذلك أن أحداً لم يتثبت من جنس ذلك الكائن الصيني، كل ما هو معروفٌ عنه، أنه صينيٌّ وحسب،

‏‏

حتى، أن البعض اعتبروا مقولته مثلاً صينياً، ذلك المثل الذي يزعم إنّ «الصورة تُعادلُ ألف كلمة» والبعض يُغالي في المعادلة بين الكلمة والصورة، ولصالح الصورة طبعاً، من أن الصورة تُعادل عشرة آلاف كلمة.. !‏

أي صورة وأي كلمة‏

لكن يحق لنا في المقابل، أن نتساءل عن ماهية الصورة تلك التي تُعادل كل هذا «المبلغ» من الكلمات، هل كل صورة تساوي كل هذا العدد من الكلمات، ومن ثم أيضاً يحقُّ لنا أن نتساءل: أي الكلمات الكثيرة هذه، التي لا تساوي إلا الصورة الوحيدة المزعومة؟؟!‏

‏‏

أسئلة كثيرة؛ تنتاب المتأمل للمعادلة الصينية، تضع تلك العملية الحسابية بمجملها في مجال الشك، ومن ثم عدم الركون والاطمئنان للقول الصيني المأثور !! فلو تأملنا الكثير من الصور اليوم، وفي عصر طُغيانها، وهذا أمر من النوافل النقاش فيه، غير أن مئات الصور تعبر، بل الآلاف تمر، ولا يُساوي عبورها مرور كرم كلمة واحدة، وإذا لم تكن الكلمة تتفوّق على الصورة اليوم، فهي في مختلف حالاتها، تُعادل الصورة في القوة والتأثير.‏

ومن جهتي أرى العكس تماماً، فالصورة نادراً ما تأخذ أكثر من تأويل، وهي محكومة بتأويلاتٍ قليلة، وربما بقراءاتٍ متشابهة، بعكس النص لاسيما النص الإبداعي الذي يفرض تأويلات وقراءات كثيرة، وفي تشابك العلاقة بين النص والصورة، فإنّ الصورة غالباً ما تحد من مجازات النص وخيالاته وتخييلاته، وحتى لا نبقى نتحدث في المطلق، لنأخذ نص السيرة الشعبية «الزير سالم» على سبيل المثال، ففي قراءة السيرة الشعبية، كان خيالنا يُلهمنا لأن نرسم «الزير سالم» بألف صورة وصورة، غير أنه بعد تجسيد الحكاية الشعبية مسلسلاً تلفزيونياً، لم تعد مخيلتنا تتصوّر الزير إلا بصورة الممثل سلوم حداد.!‏

الرواية والفيلم‏

من هنا نتفهم لماذا بقيت كل الأفلام والمسلسلات التي أخذت من الرواية دون النص الأدبي، وقلما عادلته، ألم يكن فيلم «العطر» على سبيل المثال دون الرواية التي حملت الاسم عينه، والأمثلة على ذلك الكثير، رغم كل هذا الإشكال، ورغم عصر طغيان الصورة التي يغمر المرء من جهاته الست، وبدل أن يذهب النص السردي للتطويل ليُعادل تدفق الصور، وجدناه على العكس، فقد انحاز إلى التكثيف والقصر، وهذا ليس في جنسٍ أدبي دون غيره، بل أن قدر النصوص الحديثة اليوم؛ هو التكثيف، فقد انتهى عصر بلزاك، والروايات الطويلة التي كانت تتناول أجيالا مختلفة، ومن ثم روايات الأجزاء، فالراوية التي لا تُقرأ اليوم خلال نهار واحد، وربما خلال ساعات قليلة، قد يكون مصيرها الإهمال.‏

وهذا التكثيف السردي للنص، ليس لأن إيقاع اليوم، هو الإيقاع السريع، وليس لأن وسائل الاتصال الحديثة فرضت مثل هذا النوع من القراءة للنصوص القصيرة، وإنما هي كل ذلك، ويمكن أن نُضيف إليه الأهم؛ وهو قدرة الذهنية المعاصرة والمخيال للكتاب اليوم من استخدام اللغة دون هدرٍ أو إسراف، رغم أن هناك بعض الأنواع الأدبية، تبدو في طريقها إلى الانقراض، وكنا نظنها أنها عادت بقوة، كعودة الابن الضال، وهي التي كانت ذات حين من الصحافة أحد الأنواع الصحفية كالمقالة والتحقيق وغيره، وأقصد بذلك القصة القصيرة التي كانت تحتفي بها الصحافة الورقية، هذا النوع الأدبي الذي يبدو اليوم إلى زوال، والقصة القصيرة جداً ليست تطوراً عنه، وإنما هي خلاصة جنسين أدبيين: القصة القصيرة والقصيدة، ومن هنا كانت هذه «الأقصودة» التي جاءت كشكلٍ إبداعي جديد يفرض نفسه يوم بعد آخر.‏

وبالعودة لميل النصوص الحديثة للتكثيف والقصر، أقول: لقد استطاعت المخيلة للأديب والمبدع المعاصر، من أن يجد صياغات تعبيرية، قادر لأن يسرد من خلالها كامل القول الإبداعي بكامل المجال وصوره، الأمر الذي ضاهاها من خلاله تدفق الصور، وهنا بتقديري يمكن التحدي للنص الجديد، أن يُقدم «بيت القصيد» وحسب، دون هدر وتفاصيل، بيت القصيد في القصيدة، والرواية، والقصة التي حسمت أمرها صوب القصة القصيرة جداً، والمبدع اليوم اما يفشل في تحويل الحالة لديه إلى لغة إبداعية وإما أن ينجح.!‏

النص القصير‏

صحيح أن اليوم ثمة سطوة للصورة، وثمة هرمية أيضاً لهذه السلطة المتحكمة في إعلامنا الراهن، وذلك من خلال طغيان الصورة وسطوتها وتغلبها على سلطة النص، غير أن الأكيد أيضاً، فإنّ الصورة تشيخ أما النص الجيد فلا ولن يشيخ أبداً.‏

وحال القصة القصيرة جدا، كمثال على قصارى القول، فصعوبة إتقانها ما لم يتسلح كاتبها بمخزون ثقافي، وما لم يكن متملكاً لمهارة في الاختزال، أو في الاقتصاد الدلالي الموجز والتكثيف، وما لم يكن قادراً على إزالة الشوائب من اللغة، ومتمكناً من تشذيب السرد من الحشو الوصفي هذا بالإضافة إلى اعتماد هذا الفن على المفارقة والترميز والسخرية مع الحرص على بداية وخاتمة عبر تصاعد للحد ث الجاري، وضمن سياق مواضيع إنسانية كبرى، لاتنساق وراء تلك النماذج، التي مسخت الإنسان إلى صرصار كافكوي، أو شبح للجنس البرتومورافي، فهي قصة الإنسان المتشوق للعدل والحرية والحياة، المنحاز للمهمشين، أي أن مواضيعها هي مواضيع حياة الإنسان، همومه وتطلعاته، هي ذلك الإبداع الذي يذهب لاقتناص اللحظة السريعة ليسبكها بقالبٍ فني جمالي مكثف.‏

alraee67@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية