وخلف كل هذا التبجح يكمن جيش أميركي بمعنويات منهارة وإعدادهم غالباً يكون غير كاف يستعيض عنها بتكنولوجيا باهظة التكاليف بالنسبة لدافعي الضرائب . كلها أعراض لقوة عظمى قديمة فاشلة حيث يعاني جنودها من سوء المعاملة وسوء الاستخدام , بعيداً عن الإرادة بالدفاع عن الأمة .
في شهر آب الماضي اصطدمت المدمرة الأميركية يو اس اس جون سيدني ماكين بناقلة نفط قبالة سنغافورة , وأدت إلى مقتل عشرة جنود فيها . وبعدها بشهرين اصطدمت سفينة يو اس اس فيتزجيرالد المتمركزة في اليابان مع سفينة تجارية مما أسفر عن مصرع سبعة من البحارة وتسببت بخسائر تقدر بحوالي نصف مليار دولار . ولم تعثر أجهزة الاستخبارات على أي دليل لهجوم الكتروني . ولم تحاول واشنطن إلقاء اللوم على روسيا والصين . فالخطأ يتحمله جيشها.
ولما أصبحت التجهيزات الالكترونية البحرية أكثر تعقيداً منذ أعوام الستينات , أنشأت البحرية الأميركية ما أسمتها « مدرسة ضباط الحرب السطحية « يجري فيها ضباط المستقبل تدريبات دقيقة تستمر من 12 إلى 14 شهراً قبيل صعودهم إلى السفينة. وتم إغلاقها في عام 2003 «لأسباب الكفاءة » واستعيض عنها بالتدريب عبر الحاسوب , عبر مجموعة من المصادر المعلوماتية الخاصة بالتدريب , وأصبح قائد السفينة هو المسؤول عن ضمان كفاءة الضباط تحت إمرته .
هذا وقد أتاح تخفيض ميزانية التدريبات بتوفير مبلغ مضحك بلغت قيمته 15 مليون دولار بالعام . الإضافة إلى أن اللجوء المبالغ فيه إلى الأجهزة الالكترونية المتطورة أدى إلى التخلي عن نقاط المرصد على سطح السفينة لتدارك حدوث المخاطر . وعقب تلك الحوادث جرى عزل قادة يو اس اس فيتزجيرالد ويو اس اس ماكين من القيادة , ولكن لم يكن هذا الإجراء بالمناسب والجدي لمواجهة مشكلة أعمق . فالنخر يأكل بالجيش إلى أبعد من ذلك .
ويمكن لأي جندي قديم من أعوام الستينات أن يشهد على ذلك , حيث ثمة فرق كبير أن تكون جندياً أجنبياً على أرض يقاتل شعبها ضد الاحتلال العسكري ويصد الهجمات الأجنبية . قاد هوتشي رئيس اللجنة المركزية لحزب العمال الفيتنامي جيشا من الفلاحين غير مجهز كفاية ضد أعتى قوة عسكرية في العالم , وفي نهاية المطاف حقق النصر .
وكان لعدم وجود عدو « شيطاني « مقنع أمام الجيش الأميركي منذ انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي تأثيره الكبير على الحالة المعنوية . فجميع من حاربتهم وتحاربهم واشنطن غير مقنعين بالنسبة لغالبية الشعب الأميركي . والمثير للدهشة ضمن هذا السياق أن القوات المسلحة الأميركية تعاني من تجنيد كادر متميز ضمن صفوفها لحروبها التي تنوي خوضها مع رعاتها في وول ستريت في أنحاء العالم . وقد اضطر الجيش الأميركي هذا العام من أجل تأمين العدد المطلوب من المجندين إلى قبول مجندين أقل كفاءة , يأتي تصنيفهم في الدرك الاسفل , ومن بينهم الذين لهم تاريخ في تعاطي المخدرات .
وقد كشفت القوات الجوية الأميركية أنها تعد اسطولها من قاذفات القنابل النووية طراز B-52 لتكون على أهبة الاستعداد على مدار 24 ساعة وجاهزة للانطلاق في أي لحظة كانت . وهذا لم يحدث منذ نهاية الحرب الباردة . حيث تم التوقف عن العمل بهذا الإجراء منذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 . ولكن واجهت الخطة المجنونة لجنرالات ترامب مشكلة إضافية . فسلاح الجو لديه نقص كبير في عدد الطيارين المؤهلين . وفي هذا الصدد , وقع الرئيس ترامب في 21 تشرين الأول المنصرم على مرسوم يسمح للقوات الجوية باستدعاء حوالي ألف طيار متقاعد , من خلال تمديد حالة الطوارئ التي أعلن عنها جورج بوش الابن منذ اعتداءات 11 أيلول . وهو جزء من محاولة « لتخفيف النقص الحاد في عدد الطيارين الأميركيين . « وفق الناطق الرسمي باسم البنتاغون . وقد نشرت الكلية الجوية الأميركية دراسة بعنوان :» أمام المخاطر , تقييم المخاطر في عالم ما بعد القطبية الأحادية .» حيث ختم معدو الدراسة أن النظام العالمي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية وفيه الهيمنة للولايات المتحدة يخضع لضغوط هائلة . وتضيف الدراسة أن الولايات المتحدة :» لم تعد قادرة على الاعتماد على موقع الهيمنة والتفوق المنيع الذي لعبته على مدى عشرين عاماً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي . « والآن مع ظهور الصين كقوة عظمى حقيقية , واستعادة روسيا موقعها كقوة عظمى متوافقة بالرؤية مع الصين لمنطقة أوراسيا الناشئة . يخوض الرئيس ترامب حربا مع كل العالم , في كل مكان , وهذا ليس بالسلوك الجيد للسياسة الخارجية الأميركية ولا طريقة جادة في التصرف من أجل دولة ناضجة.
وإن إعادة بناء البنى التحتية المحلية الموشكة على الانهيار , وليس تطوير الجيش الأميركي ضد تهديدات غير واضحة أو ضد أمم تطالب باحترام حقها بالسيادة , وبناء اقتصاد أمريكي حقيقي للانضمام إلى صفوف الدولة الصناعية الرائدة هو الأكثر منطقية من وجهة نظر الكثيرين .