إن التصريح الذي أدلى به لافروف يسلط الضوء على أسباب التحسب والخشية التي أبداها المعلقون الإسرائيليون في السنوات الأخيرة. ذلك لأن المحور الذي يبدأ من إيران وينتهي على شواطئ البحر الأبيض المتوسط في لبنان يضم في مجمله قوات معادية لإسرائيل وتدعو باستمرار إلى تدميرها، تلك القوى التي تتمثل بإيران وحزب الله وسورية ويبدو أن هذا المحور قد حظي بالقبول والمساندة من قبل دولة عظمى وهي روسيا، الأمر الذي يجعل من الصعب التفكير بسيناريو أسوأ من هذا السيناريو من وجهة النظر الإسرائيلية.
تتعالى الأصوات في إسرائيل وتدعو قيادتها إلى ضرورة اتخاذ ما يلزم من اجراءات قبل أن يقوى عضد هذا المحور بدرجة أكبر. إذ ما تخشاه إسرائيل من تهديد في الوقت الراهن يتمثل بشكل رئيس بحزب الله سيما وأن ذكريات حرب لبنان الثانية عام 2006 مازالت ماثلة في الذاكرة، حيث أنه على مدى أكثر من شهر كامل لم يتمكن عشرات الآلاف من القوات الإسرائيلية التغلب على ألف مقاتل من حزب الله وردعهم عن الاستمرار في إطلاق الصواريخ على إسرائيل الأمر الذي افضى إلى إحداث شلل كامل في حدودها الشمالية.
وعلى الرغم مما يدعيه المسؤولون في إسرائيل من تحقيق الحرب لأهدافها ونجاحها في حجب حزب الله من القيام بعمليات القصف على حدودها الشمالية منذ ذلك الحين، لكن القادة العسكريين رفيعي المستوى لديها لا يصدقون تلك المقولة لأنهم على علم تام بالحقيقة.
من المؤكد بأن عضد حزب الله أخذ يشتد يوما إثر آخر. وفي هذا السياق، ذكر وزير الإسكان يوف غالانت الذي سبق له وأن تولى منصب رئيس هيئة الأركان بأن لدى حزب الله القدرة على إطلاق 100,000 صاروخ. لكن ثمة تقديرات أخرى تقول بامتلاكه حوالي 150,000 منها. ويعد هذا العدد هائلا وذا فعالية كبيرة.
من الثابت بأنه حتى لو توفر في النظام المضاد للصواريخ القدرة على صد البعض منها، إلا أنه في حال نشوب الحرب فإن تلك الصواريخ ستتوجه لتقصف أهدافا حيوية وهامة في العمق الإسرائيلي. وفي هذا السياق لابد من أن نذكر حماس التي تمتلك عددا أقل من الصواريخ ذات الجودة المتدنية التي تمكنت بها من وقف العمل في مطار بن غوريون على مدى 48 ساعة إبان الحرب الأخيرة على غزة التي جرت عام 2014. وستكون التداعيات أكثر سوءا في حال نشوب أعمال قتالية مع حزب الله.
توقع بعض المحللين السياسيين الإسرائيليين أن دخول حزب الله ومشاركته في الحرب القائمة في سورية سيصرفه عن دخول حرب مع إسرائيل أو تهديدها، وأن تلك المشاركة ستفضي إلى انحسار شعبيته لدى اللبنانيين.
لكن ما حصل جاء عكس ما كان متوقعا تماما. فحزب الله واكتسب شعبية في جميع أنحاء العالم العربي عندما كان يقاتل إسرائيل، أصبح قوة عسكرية ذات خبرة ولديه القدرة على شن الحرب ومجابهة أعداءه ولم يعد كما رغبوا بتصويره بأنه ميليشات لا تلبث أن تنتهي.
وفي هذا السياق قال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة يديعوت احرنوت بأن إسرائيل لن تسمح لحزب الله بالاستيلاء على أراض في العمق الإسرائيلي. لكن واقع الأمر يؤكد أن مناقشة القوات العسكرية الإسرائيلية هذه الاحتمالات تشكل دليلا على مدى المخاوف التي تنتاب إسرائيل جراء التهديد الذي يمثله حزب الله.
ووفقا لوجهة النظر الإسرائيلية، فإن الأمر لا يقتصر على حزب الله فحسب. فعلى مدى سنوات، تدور حوارات ومناقشات حول الخطر الوجودي الأعظم الذي تمثله إيران على إسرائيل.
وقد اكتسب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قاعدة له بناء على هذا الادعاء، وجعله حجر الزاوية في السياسة الخارجية والدفاعية الإسرائيلية. لكنه وبعد كافة محاولاته الفاشلة لإحباط ونسف الاتفاق النووي مع إيران أصبحت بعض من القوات الإيرانية على مقربة من تموضع القوات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان.
وإزاء عدم وجود قوات إيرانية كبيرة في سورية، فإن القوى الجوية الإيرانية لم تلجأ إلى إقامة قواعد لها في هذا البلد. لكنه بعد الانتصارات التي حققتها سورية في شرق البلاد وسقوط تنظيم داعش في الموصل، يبدو لنا أن الخط الممتد من إيران عبر العراق إلى سورية ولبنان قد أصبح أمرا واقعا.
دأب المعلقون الإسرائيليون على انتهاز الفرص لعرض خارطة لهذا الخطر أمام أكبر عدد ممكن من المشاهدين باعتبار هذا الأمر يشكل تهديدا للوجود الإسرائيلي. ونهج نتنياهو في خطاباته للترويج لمقولة التهديد الإيراني وخاصة في خطاباته التي يلقيها في مجلس الأمن، لكن يبدو بأن هذا التهديد سيصبح أمراً واقعا في القريب العاجل.