وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يشيد فيها زعيم إسرائيلي «بتحالف » مع دول الخليج , مثل المملكة السعودية . وسبب هذا التقارب ليس جديداً , فالهدف هو إيران , العدو المشترك لإسرائيل والسعودية .
وكان إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية من الرياض بمثابة صاعق آخر في هذا الصراع , أدى إلى تصعيد لفظي خطير بين الدولتين الإيرانية والسعودية . ولا يمكن لنتنياهو الحليف الطارىء والمحتمل لوريث العرش محمد بن سلمان في هذه المواجهة سوى أن يستفيد من الصراع بين إيران والسعودية .
وذوبان الجليد الرسمي بين تل أبيب والرياض ليس بالحديث العهد . لأن الدولتين وإن لم تتبادلا السفارات وترتبطان بعلاقات دبلوماسية , فإنه بينهما تاريخ من التعاون السري في بعض القضايا المحددة . فقد اتخذت السعودية مواقف متناقضة بشأن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني , فهي لم تشارك في الحروب العربية ضد إسرائيل , إلى جانب دعمها القضية الفلسطينية . في وقت كانت الرياض من الداعمين الرئيسيين لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم للسلطة الفلسطينية , كما وانتقدت الحرب الإسرائيلية ضد غزة . وعلى الرغم من ذلك , شهدت الأعوام 1990-2000 تبدلاً نوعياً , ولاسيما مع وصول الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى السلطة , حيث قاد سياسة إصلاحات وأقام علاقات غير رسمية مع إسرائيل . واقترح عبد الله في عام 2002 , وكان حينها ولياً للعهد والرجل القوي في المملكة « مبادرة عربية للسلام » جرى تبنيها خلال القمة العربية في بيروت , ولازالت سارية لغاية الآن . وتنص المبادرة على اعتراف العرب بإسرائيل مقابل انسحاب الأخيرة إلى حدود عام 1967 . ولو أن إسرائيل وافقت على تلك المبادرة كان من المفروض تطبيع العلاقات معها .
وعقب عقد من الزمان , أعطت الرياض الضوء الأخضر لعملية الجرف الحامي الإسرائيلية في صيف عام 2014 ضد غزة . بل اتهموهم بتمويل جزء من الأسلحة الإسرائيلية . ووفقاً للصحفي في صحيفة الغارديان ديفيد هيرست , كان كل من الموساد والمخابرات السعودية يجتمعون في كثير من الأحيان للتعاون على القضاء على الإخوان المسلمين في مصر قبل ذلك بقليل .
وعلى هذا النحو , تضاعفت مؤشرات التعاون بين البلدين منذ أصبح محمد بن سلمان الرجل النافذ في السعودية . وقد زار الجنرال السعودي السابق أنور عشقي السفير الإسرائيلي السابق دوري غولد المقرب من نتنياهو مرات عديدة بين عامي 2015 و 2016 في القدس . وكذلك كان يجتمع أحياناً مع الجنرال الإسرائيلي يواف موردخاي , مشدداً على التقارب في المصالح الاستراتيجية بين إسرائيل والمملكة الوهابية . وفي ايار الماضي اقترحت السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل إحراز تقدم في الملف الفلسطيني .
وقد أدى تصاعد الخلافات بين إيران والمملكة الوهابية إلى الدفع قدماً في الكواليس باتجاه هذا التقارب , وكلما ازداد التوتر بين الدولتين تعزز التحالف بين الإسرائيليين والسعوديين .
وفي هذا الصدد يقول اوليفييه دالاج الصحفي والاستاذ في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس : «تنسق إسرائيل والسعودية استراتيجيتهما من أجل إغراق إيران وحلفائها في فخ التصعيد . واستقالة الحريري مصحوب بخطاب عنيف ضد إيران هي جزء من هذه الاستراتيجية. والسعودية تسعى لدفع إيران للوقوع في الخطأ . ومن خلال إثارة طهران يأمل السعوديون أن يجعلوها مسؤولة عن رد فعل غير متناسبة يبرر التدخل العسكري أو العزلة الدبلوماسية .»
وتبرز البرقية التي نشرتها القناة العاشرة الإسرائيلية منذ بضعة أيام هذا التنسيق . فقد طلبت وزارة الخارجية الإسرائيلية من سفرائها « التوجه إلى البلد المضيف لتسليط الضوء على الخطر الذي تشكله إيران وحزب الله على لبنان , واستخدام الضغط لصالح السعودية .»
ولا تزال طبيعة هذا التعاون غير واضحة المعالم , ولكن كتب السفير الأميركي السابق لدى تل أبيب دانييل ب.شابيرو مقالاً في صحيفة هآرتز الإسرائيلية سعياً لإثارة الحرب في لبنان يقول فيه :«يعد القادة الإسرائيليون العدة لشن حرب على لبنان منذ عام 2006, من أجل الحد من الخطر الإيراني على الحدود . وإسرائيل والمملكة السعودية متفقتان تماماً على هذه المسألة , ويتطلع السعوديون إلى الاستفادة من الرغبة الإسرائيلية باستهداف القوات الموالية لإيران. ولما كان من المستحيل على السعودية ضرب حزب الله مباشرة في لبنان , فبوسع إسرائيل القيام بذلك ».
ولكن بدقة أكثر , يعتقد علي نجاد المشارك في مدرسة كينيدي في جامعة هارفارد أن نشوب الحرب غير محتمل والسبب برأيه :« لقد قام كل من حزب الله وإسرائيل , منذ الحرب الأخيرة في عام 2006 بالاستعداد تسليحا لتلك الحرب, ما يجعل المواجهة العسكرية أكثر تكلفة بكثير . علاوة على أن إسرائيل وقد اتعظت من دروس هزيمتها في حرب عام 2006 فإنها لن تتصرف قبل الآوان , حتى ولو طلبت منها المملكة السعودية شن الحرب ».