القدرة على امتصاص الغضب والتكيف والتعامل مع عدد من المراهقين ايضا قوة.. إنه وجه أمي.
امي التي كنت اراها احيانا تقف في مصنع الاغذية المطبخ الذي اخذ من عمرها الكثير لأجلنا.. ولم أذق طعاما ألذ من طعامها في حياتي، حيث كانت تتفنن في سكب روحها ونفسها فيه بكل ما تملك النفس من قوة وجمال.
كانت لطول مكوثها ولكثرة انشغال بالها بكل منا وبهموم الحياة اليومية تتكلم أحيانا مع نفسها واراها واسمعها وكأنها تتحدث مع أحد، ولكن لم يكن من أحد هناك.. طبعا اعتبرت هذا مجرد طباع لديها، وبتحليلي اقتنعت أننا نحن الابناء والأسرة ومسؤولياتها وما نسببه من معاناة لها.. جعل الحديث مع ذاتها أكبر الاسباب لجعلها تتنفس وتتخلص من الضغط.
ما أعاد كل ذلك الى ذاكرتي قصتي حينما جلست منذ فترة أتحدث مع نفسي، حوارا طال كثيرا كنت غاضبة وساخطة على كل ما في حياتي من عراقيل ومتاعب وأزمات لم اجد لها حلا.. ربما كنت غاضبة من اولادي من مفرزات الأزمة وكوارث الحرب ولكن في صباح اليوم التالي جلست اتحدث مع نفسي وقلت هل انا على حافة مرض نفسي وهل هذا وراثة «طباع ».. افعل ما كانت تفعله والدتي رحمها الله.
جلست أمام الكمبيوتر وبدأت البحث في كل ما يجعلني مطمئنة على وضعي وقرأت كثيرا مما قاله علم النفس عن حالتي .. ورغم يقيني وثقتي بعقلي ونفسي، وجدت بعد رحلتي هذه ما يسر القلب ويرسم الضحكة على وجهي ويخرجني من هواجسي.. وتحت عنوان الحديث مع النفس بصوت مرتفع ميزة ام جنون، وسؤال هل تتحدث الى نفسك وهل تتساءل لماذا؟ كانت ضالتي.
جاء الجواب.. ان كنت تتحدث الى نفسك هذا يعني انك تملك نسبة ذكاء أعلى من الآخرين والحديث الى النفس ليس فقط بسبب الشعور بالوحدة وليؤنس الانسان نفسه بل هذا يدل أنك تستخدم عقلك ويجعلك ذا قدرة أعلى على اتخاذ القرارات وحسم الاختيارات بصورة أدق، وهذا السلوك أمر طبيعي ومؤشر على الذكاء الشديد.
الحديث الى النفس بصوت عال يساعد في ترتيب الافكار والتركيز على افكار معينة، كما انه يساعد في تخفيف حدة التوتر وإيجاد حلول افضل للمشكلات والمواقف الصعبة.
هذا الحديث يساهم لحد كبير في التهدئة الذاتية وهو تنفيس عن الغضب خصوصا عندما يخرجك بعض الاشخاص عن طورك بسبب أفعالهم أو تصرفاتهم، فهذا الامر يجعلك تفهم افكارك بصورة افضل والتواصل مع عقلك الباطن ليمنحك نظرة اعمق واشمل لاحتواء الموقف.
فالحديث مع النفس يخفف من الضغط الناجم عن الصراع مع الازمات اليومية والمشاكل بشكل عام، ويعتبر تحفيزا للذات فالحديث الايجابي مع النفس للإحساس بشعور افضل وتحسين المزاج وتحفيز الذات كما انه يعطينا اداء افضل فتكرار الافكار يعزز الذاكرة الخاصة، لأن الاشخاص الذين يتحدثون مع انفسهم بصوت مرتفع لديهم قدرات ممتدة من التركيز تساعدهم في الوصول الى اهدافهم.
انتهيت من جولتي العلمية النفسية وأنا على يقين بأن الكثير من الناس يتحدثون يوميا الى أنفسهم ذلك الحديث الذي لا بد منه بسبب المشاكل اليومية والضغوط والأزمات الحياتية المتتالية.. لابأس ان تسمع اذاننا أصواتنا، فتلك ميزة وليس جنوناً.