لقد بدأت المديرة الحالية لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد حياتها المهنية كمساعدة برلمانية لوزير الدفاع الأميركي المقبل , ومن ثم كمحامية للشركات الأميركية . علاوة على ذلك كانت لاغارد عضواً نشطاً في المفوضية من أجل توسيع المجتمع الأوروبي الأطلسي جنباً إلى جنب مع صديقها زبيغينو بريجنسكي . ولعبت أيضاً دوراً محورياً في تجهيز الجيش البولندي الذي قام بنفسه بتجهيز المتظاهرين في ميدان الاستقلال .
في لعبة المرايا الإعلامية , ثمة صور مشوهة تنعكس عن الأزمة الأوكرانية : مثل تلك الصورة الخاصة بالشركات المتعددة الجنسيات والمصارف الأميركية والأوروبية الذين شهدوا تبخر استثماراتهم في أوكرانيا وصاروا على وشك التخلي عن السفينة حتى قبل إبحارها .
أي تماماً في اللحظة التي أوشكوا فيها على الحصول على كل مبتغاهم وهو السيطرة التامة على الاقتصاد الأوكراني . وطوق الإنقاذ الذي ألقاه صندوق النقد الدولي ومعه الاتحاد الأوروبي إلى كييف بتقديمهم قروض تبلغ مليارات الدولارات إلى أوكرانيا ليس في حقيقته سوى حبل سيلتف حول رقبتها . لاسيما وأن الدين الأوكراني الموثق من قبل البنك الدولي قد تضاعف في غضون العشر سنوات الماضية وتجاوز عتبة 135 مليار دولار . ولا فائدة ترجى من هذه الديون , حيث يترتب على أوكرانيا دفع حوالي 4,5 مليار دولار سنوياً . وهذا هو المبتغى من وراء القروض الجديدة المقدمة لها , أي زيادة مبلغ الديون الخارجية وإرغام كييف على المزيد من خطوات « تحرير « اقتصادها من خلال بيع ما بقي لديها لخصخصته لصالح الشركات المتعددة الجنسيات والمصارف الغربية .
هذا وقد أملى صندوق النقد الدولي , الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ( حيث تملك 17,5% من الأصوات , أكثر من روسيا بسبع مرات ) الشروط الخاصة بالقروض إلى جانب قوى غربية أخرى , في حين ليس لدى أوكرانيا سوى نصف صوت فقط .
وضمن تلك الظروف , وعلى عاتق الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد منذ عام 1991 سارت الأمور في البلاد إلى جانب امتلاك قاعدة صناعية وزراعية مهمة , وكذلك توقيع اتفاق سنوي رائع مع موسكو خاص بحقوق عبور إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا .
وترجع أسباب هذه الأوضاع التي تشهدها أوكرانيا إلى التغلغل الغربي في النسيج السياسي والاقتصادي . وليس الهدف هو إقامة « حكومة رشيدة « في أوكرانيا . وقد أكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أن الولايات المتحدة قد استثمرت أكثر من 5 مليار دولار . مبلغ استثماري أتاح لنولاند , حسب حديثها في المكالمة الهاتفية التي تم فضحها أن تملي من ينبغي عليه ومن لا ينبغي عليه المشاركة في الحكومة الجديدة في كييف , وأن تستخدم عبارات بذيئة بحق الاتحاد الأوروبي . وعلى الرغم من اعتذارها , إلا أن تلك المكالمة كشفت عن سياسة واشنطن تجاه أوروبا .
وقد كتبت صحيفة نيويورك تايمز أن إدارة اوباما تنتهج « سياسة عدوانية « ترمي إلى خفض إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا , والتي تعتبر ألمانيا وأوكرانيا من أكبر المستوردين له . وتقضي الخطة بأن تزود شركة اكسون موبيل وشركات أميركية أخرى أوروبا بكميات متزايدة من الغاز عبر استثمارها حقول الغاز في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ومناطق أخرى , من ضمنها الغاز الأميركي والذي زاد إنتاجه . هذا وقد قدمت بالفعل شركات كبرى عروضها إلى وزارة الطاقة الأميركية لبناء موانيء لتصدير الغاز المسال . وتشمل الخطة أيضاً الضغط على غازبروم , أكبر شركة روسية , حيث تمتلك الدولة غالبية الأسهم فيها , ولكنها مفتوحة أمام الاستثمار الأجنبي وهي مدرجة في بورصة لندن وبرلين وباريس , ووفق مصرف جي بي مورغان نصف مالكي الأسهم من الأجانب في تلك الشركة هم من الجنسية الأميركية .
وبناء على ذلك , فإن لإستراتيجية واشنطن شقين : من جهة , تعمل على وضع أوكرانيا في قبضة صندوق النقد الدولي وضمها إلى حلف الناتو تحت القيادة الأميركية , ومن جهة أخرى استغلال الأزمة الأوكرانية , التي شاركت واشنطن في إشعالها من أجل تعزيز النفوذ الأميركي على حليفتها الأوروبية . ولتحقيق هذه الغاية , تسعى واشنطن إلى الاتفاق مع برلين لتقاسم مناطق النفوذ .