ولعل أبرز وأخطر هذه المظاهر عدم ايجاد حل لمشكلة الأراضي العربية المحتلة وقضية اللاجئين الفلسطينيين, وتصاعد ظاهرة الأصولية الراديكالية وغيرها, والتي تمتد جذور هذه المعضلات على الأغلب, إلى أواسط ستينيات القرن الماضي مرحلة الحرب العربية الإسرائيلية أو إلى قرار الأمم المتحدة الصادر عام ,1947 والقاضي بتقسيم فلسطين, التي كانت تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين مستقلتين عربية ويهودية, فاليهود أقاموا دولتهم, بينما الفلسطينيون حرموا من ذلك ولأسباب عديدة, وخضعت معظم الأراضي الفلسطينية, بصورة مؤقتة لسيادة مصر والأردن, وعلى خلفية دراماتيكية تلك الأحداث المأساوية رفض العرب آنذاك الاعتراف بإسرائيل, ومنذ ذلك الوقت لم تكف إسرائيل عن التفكير بتوجيه ضربة عسكرية, بهدف ارغام العرب على تغيير موقفهم هذا, وبعد عدوان حزيران عام ,1967 احتلت إسرائيل أراضي عربية واسعة جداً أكبر من مساحتها المقررة في قرار هيئة الأمم المتحدة, ما زاد من عمق المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل, وأصبح اليوم من الواضح تماماً أن الحل العسكري للنزاع العربي الإسرائيلي ليس الحل الأنسب أو الحل الواقعي للقضايا الشائكة. ورغم جميع التغيرات التي طرأت على خارطة الشرق الأوسط السياسية, إلا أن جوهر المشاكل في هذه المنطقة من العالم مازال هو نفسه وهو عدم عودة إسرائيل إلى حدود عام ,1967 رغم أن مصر والأردن وقعتا معاهدة سلام, إلا أن هذه المعاهدات لم تضمن السلام الدائم والمستقر, وخاصة في الاتجاه السوري, الذي مازال, في الواقع بعيداً عن حدوث تقدم ملموس في هذا الإطار.
فمنذ تلك الأعوام بدأ يتزايد طموح الفلسطينيين لكي يكون لهم دور مستقل في الصراع, فعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة تماماً, أدى إلى اليأس وانعدام الأمل بإمكانية الحلول السياسية, فبرزت الحركات السياسية الراديكالية المتمثلة بحركة المقاومة الفلسطينية والمستمرة منذ سنوات طويلة, على خلفية عدم حل القضية الفلسطينية وعدم حل رزمة المشكلات أدى بدوره إلى وجود حركات شكل (الإرهاب) سلاحها الرئيسي, وكان بوسع إسرائيل كما كشفت الاحداث اللاحقة التوصل إلى حل وسط مع بعض البلدان العربية, ولكن عدم حل المشكلة من أساسها, شحن الشارع بالأفكار الراديكالية, ومع ذلك لم تفقد موضوعة التسوية السياسية للنزاع العربي الإسرائيلي زخمها, علماً أن جميع النزاعات المسلحة بما في ذلك المقاومة بين العرب وإسرائيل, لم تكن تهدف إلى (رمي إسرائيل في البحر) ولا تدميرها, وإنما في الجوهر الضغط عليها من أجل دفعها لاتفاقيات مقبولة لديهم وإعادة جميع أراضيهم المحتلة.
وهذه الوضعية أي عدم الاستجابة للحلول السلمية على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي, ولدت جيل كراهية جديداً, وأظهرت أن الطريق لإحلال السلام في المنطقة طويل جداً ووعر للغاية.
بعد عام 1991 بدأت المفاوضات العربية الإسرائيلية في مدريد وكانت مفاوضات متعددة الأطراف , ولكن لم توفق إلا على الاتجاهات الثنائية, في عام ,1994 وقعت معاهدة مع الأردن وقبل عام وقعت الاتفاقيات مع الفلسطينيين.
وبالمناسبة توقف تنفيذها, ووصلت إلى طريق مسدود سورية مع الاتجاه الفلسطيني كل عملية تسوية في الشرق الأوسط, ومع ذلك لاتزال القضية الفلسطينية تشكل جوهر النزاع بين إسرائيل والعالم العربي والعالم الإسلامي.
و كان من الممكن ألايحتاج الأمر إلى تلك السنوات الطويلة من الحروب والمعاناة لو تم الاعلان صراحة, بأن السلام غير ممكن إذا لم تقدم إسرائيل على الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة, وحل قضية اللاجئين, وغيرها من المشكلات المرتبطة بجوهر المسألة.
ومن المنطقي أن يتساءل المرء الباحث والمتابع, هل ياترى ستحتاج المنطقة إلى سنوات أخرى طويلة جداً لكي تقول إسرائيل الحقيقة بأنها لن تتخلى عن الأراضي التي احتلتها? وبالتالي ستبقى المنطقة معرضة لجولات جديدة من الحروب, التي لن تخدم أحداً من شعوب المنطقة بما في ذلك إسرائيل, فترك الأراضي المحتلة للدول صاحبة الحق هو الطريق الوحيد لكي تنعم المنطقة بالسلام والأمن والاستقرار?!.