|
الجنس في الكتابات العربية آراء ليس لأن الجنس أحد أضلاع الثالوث المحرم : الدين , السياسة , الجنس , بل لأنه موضوع حيوي من المستحيل التحدث عن الإنسان والحياة من دونه . لكن كيف اخترق الكتاب ( والكاتبات ) العرب هذا المحظور ?! سؤال يبدو بسيطاً والإجابة عنه سهلة , لكنه في الحقيقة يصلح ان يكون موضوعاً لندوات ودراسات عديدة , إذ ان كمّ الروايات العربية الجريئة التي تناولت موضوع الجنس بجرأة وحرية لا ُتعدّ ولا ُتحصى , لكن من خلال قراءتي لعدد كبير من هذه الروايات أحب ان أقدّم استنتاجاتي للقارىء العزيز.
يؤسفني منذ البداية ان أقول ان نسبة كبيرة من الكتاب والكاتبات في عالمنا العربي تعاملوا مع موضوع الجنس كشيء مستقل ومنفصل عن الحياة , كما لو أن حياة الإنسان الاجتماعية والعاطفية وعلاقاته مع محيطه , مستقلة ولا علاقة لها بموضوع الجنس في حياته ! ونجد كتابات هؤلاء مثقلة بالوصف الجنسي الدقيق والتفصيلي , وصفاً لا هدف له سوى الإثارة , وسوى الاستمتاع بتلك الجرأة المتحدية على خرق طوطم الجنس . ولا أنسى يوم عرضت إحدى الجرائد المهمة نصوصاً لكتاب وكاتبات بمناسبة عيد الحب, إذ ان نسبة كبيرة من هذه النصوص كانت عبارة عن فيلم بورنو مكتوب بل ان بعضها تفوّقت على دروس التشريح والفيزيولوجيا التي يدرسها طلاب كلية الطب ?! بالمقابل أتذكر بقوة روايات جنسية بامتياز لكتاب عظماء مثل هنري ميللر والبيرتو مورافيا, ولا أظن ان هناك كاتبين بمثل جرأتهما , لكن رواياتهما التي توصف بالإباحية والجرأة الوقحة في وصف الجنس , هي في الواقع روايات عظيمة لأن الجنس فيها له وظيفة , ومنسجم في سياق العمل الأدبي , ان الجنس في روايات ميللر ومورافيا يعكس نمط الحياة والعلاقات الاجتماعية الاستهلاكية , في مجتمع تجف فيه علاقات الحب , وتطغى العلاقات المادية والنفعية . اذاً لا معنى لوصف جنسي ان لم يكن موظفاً لخدمة فكرة , ان لم يكن منسجماً مع متن الرواية ككل. الأهم مما ذكرت , انه يمكن مناقشة المشكلات الجنسية بعمق وتحليل دقيق دون ان نلجأ للغة الإثارة والوصف , ولا أجد في الأدب العربي رواية أكثر عمقاً وبراعة في تحليل أزمة الجنس في العالم العربي من رواية سراب للمبدع نجيب محفوظ . فهذه الرواية أشارت إلى الدُمّل الكبير الكامن في جسد عالمنا العربي , وهو الكبت الجنسي, وغربة الإنسان عن جسده والقصور في حياتنا العاطفية والجنسية عن تلبية حاجاتنا الإنسانية وإقامة علاقة ناجحة مع الجنس الآخر. فبطل رواية السراب , شاب خجول يعيش في بيئة اجتماعية لا تسمح بالاختلاط بين الجنسين , وتظل المرأة بالنسبة له جنس آخر وليس إنسانا آخر , تظل صعبة وغامضة , ومستعصية , لا يمكنه ان يتحدث إليها ليعرفها وليأنس إليها , هذا الشاب يمثل معظم شباب الوطن العربي , فالاختلاط شبه معدوم في واقعنا . ونتيجة لهذا الفصل بين الجنسين , وكون المرأة منفية من عالم الرجل , يسقط هذا الشاب في إدمان العادة السرية , ويتعوّد تلك المتعة الانعزالية التي يعيشها بينه وبين نفسه . وحين يبلغ عمر الارتباط , يختار فتاة أعجبه شكلها , فتخطبها له والدته ثم يتزوجها دون ان يعرفها حقاً قبل الزواج , اذ إن فترة الخطوبة مصطنعة ولا تسمح بالتعارف الحقيقي بين الجنسين , يفاجأ الشاب انه عاجز عن معاشرة زوجته , إذ انه صار ضحية تلك اللذة الانعزالية التي يستخلصها من جسده , ولم يعرف كيف يتعامل مع هذا الكائن الغريب المرأة . يُعاني من عنانة نفسية , وزوجته تلجأ للصمت لأشهر طويلة إذ إن مناقشة مواضيع مُربكة ومحفوفة بمشاعر إلاثم مثل الجنس صعب في مجتمعنا . رواية السراب يمكن اعتبارها رواية ناقشت أزمة الجنس في العالم العربي بشكل ممتاز وبتحليل نفسي عميق , دون أن يضطر الكاتب لاستعمال تعابير جنسية وأوصاف جنسية ... إن الإيحاء أجمل بما لا يقاس من التعابير الصريحة ... ان نشوة كسر محظور الجنس تسيطر للأسف على كثير من الكتاب والكاتبات خاصة في بداية أعمالهم الأدبية , ويعتقدون أن مجرد الكتابة الجزيئة الجنسية هو بحد ذاته انتصار وإبداع ... فتأتي هذه الكتابات مثل ريح لا نعرف من أين تهب ولا إلى أين تمضي ?! وأظن ان تلك النظرية التي راجت لفترة وهي بلوغ الشهرة بمجرد الكتابة عن الجنس قد سقطت تماماً , فلم يعد القارىء ساذجاً كي يهدر وقته في قراءة صفحات لا نهاية لها للحصول على إثارة ممجوجة , يمكنه الحصول عليها بأقل من ثانية في مشهد في فيديو كليب لأغان هابطة أو من محطات أخرى تغزوه في عقر داره .
|