يأتي في المقدمة منها أننا -كأمّة- أصبحنا نمتلك أضعاف هذا العدد من الفضائيات بحيث أننا سنستغني عن ثلاثمئة قناة منها دون أن يرف لنا جفن، وبما أننا نمتلك هذا العدد الخرافي من الفضائيات فهذا يعني -من الناحية النظرية على الأقل- سيطرتنا التامة على الرأي العام العالمي وقيادتنا له إلى الوجهة التي نريدها..
ولكن ما بال هذا العالم لا يكاد يعرف مكاناً لنا على الخريطة؟ بل ما باله في جزء كبير منه لا يريد أن يقتنع أننا نحن الطرف المحتلة أراضيه لا الطرف المحتل لأراضي الآخرين؟ وأننا نحن الطرف الذي يعتدى علينا لا الطرف الذي يعتدي على الآخرين؟ وبالتالي ماذا تفعل هذه المئات من الفضائيات العربية إذا كان هذا هو الواقع المزري الذي وصلنا إليه وأوصلنا إليه قضايانا العادلة؟
مما لا شك فيه أن معظم فضائياتنا العربية سواء المهددة بالتوقف أو التي لم تبلغ هذه المرحلة من (التألق) بعد تبدو غير معنية إلا بشيء واحد هو كيف تكسب المزيد من الأموال من جيوب شعوب وجدت نفسها فجأة أمام فضاء تلفزيوني مترامي الأطراف بعد عقود من الانغلاق الإعلامي، والوسيلة المضمونة لكسب الأموال هي رسائل الموبايل التي أضحت القاسم المشترك الأعظم لعدد كبير من الفضائيات الناطقة بلغة الضاد سواء أكانت هذه الفضائيات غنائية أم ترفيهية، والترفيه هنا يتخطى دلالاته السطحية والمباشرة ليدخل إلى عوالم الشعوذة والتنجيم وتفسير الأحلام وهي طقوس أضحت تمتلك فضائياتها الخاصة التي أشبه ما تكون بالدكاكين الصغيرة التي تتم فيها مختلف عمليات النصب والاحتيال على بسطاء همّهم الأول والأخير أن يكون غدهم أفضل من يومهم .
والأخطر من كل هذا هو انجرار فضائيات عربية يُفتَرَض أنها بعيدة كل البعد عن هذه التخرّصات نحو منزلق التنجيم والتنبؤ بالمستقبل، وبشكل خاص عشية اليوم الفاصل بين عامين، إذ تتسابق الفضائيات العربية بمختلف مستوياتها نحو (المتنبئين) الذين يستغلون ضعف ذاكرة شعوبنا وسذاجة الطيف الواسع من مواطنينا ولهاثهم نحو شراء الوهم مهما كان الثمن فيبدؤون بنسج المستقبل الزاهر لهم اعتماداً على قراءة الأبراج التي لا يقدمون من خلالها إلا ملامح عامة وضبابية قد تنطبق على جميع البشر مثلما قد يتمكن معظم البشر من نسجها وحبك خطوطها، وهي أمور لا تتنافى فقط مع أقل القليل من العقل والمنطق السليم بل ومع مبادئ شرائعنا وأدياننا التي تحرِّم علينا ممارسة هذه (الطقوس) أو تصديق ممارسيها، ومن عجب أن عدداً كبيراً ممن يؤمنون بهذه التنبؤات هم أنفسهم من المؤمنين بأنه ما من أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل سوى الله سبحانه وتعالى .
أما مسألة التنبؤ بأحداث سياسية أو اقتصادية أو فنية فلها حديث آخر، إذ يبدو أن الناشطين في هذا المجال من التنبؤ يظهرون قدراً أكبر من الذكاء عندما يقرؤون الوقائع والتطورات بعين وفكر تحليليين ليتمكنوا من قراءة المؤشرات بشيء من الدقة، وإن كانوا يقعون أحياناً في مطب تحديد أحداث محددة بتواريخ معيّنة إلا أنهم سرعان ما يتداركون ذلك من خلال اللجوء إلى إمكانية نقل تواريخ حدوث هذه الوقائع إلى سنوات قادمة وهو الأمر الذي من الطبيعي أن يتحقق في النهاية بشكل أو بآخر .
والواقع أن الإنسان ومن مبدأ حبه للتقليد وتوقه لخوض غمار كل ما هو غريب وغير مألوف يحلو له أحياناً أن يركب الموجة التي تجرف الجميع.. ومن هذا المنطلق سأمارس في هذه المقالة شيئاً من هذا القبيل، إذ (سأتنبأ) بأنها ستُنشَر (انسجاماً مع مضمونها) في موعد لن يبتعد كثيراً عن رأس السنة الميلادية .