ولأول مرة على نسخة مترجمة بأمانة إلى اللغة الانكليزية لهذا الكتاب العظيم في الأدب الفرنسي وذلك إثر نضال خاضته أستاذات جامعيات وناشطات في الحركات النسائية ومترجمات في نيويورك تايمز، وهذا ما تعتبره سيلفي لوبون دوبوفوار الابنة بالتبني للكاتبة (حدثاً) بحد ذاته، حيث ولغاية عامنا الحالي كان الناطقون باللغة الانكليزية يمتلكون نسخة مترجمة من الكتاب بشكل مجتزأ، أو بترجمة خاطئة لنحو نسبة 20٪ منه منذ عام 1953.
بدأت الحكاية منذ أعوام الخمسينيات حينها كان كتاب (الجنس الآخر) يلقى رواجه في فرنسا ويحرز أفضل المبيعات وحصلت الناشرة الأميركية بلاتش كنوف على حقوق ترجمته، وقد رأت فيه كتاباً جنسياً للعصور الحديثة. كما كتب دير دربير في تقديمه السيرة الذاتية للكاتبة سيمون دوبوفوار عام 1990، وظهرت على غلاف الطبعة الأميركية للكتاب صورة امرأة عارية من الظهر ووجدت دار كنوف في هوارد ماديسون بارشلي، البروفسور في علوم الحيوان والذي تعلم الفرنسية منذ سني شبابه، الرجل المناسب لترجمة رسالة الفيلسوفة دوبوفوار وقد كتب عنه في صحيفة نيويورك هيرالدتريبيون، في صفحة انسانيات ونقد، أنه من الكتب التي تتحدث عن الجنس.
واستغرق بارشلي في ترجمة هذا الكتاب البالغة عدد صفحاته 1000 صفحة عاماً كاملاً، عمل خلاله على تبسيط التراكيب الجملية المعقدة للكاتبة دوبوفوار، وعمد إلى إهمال النقاط والفواصل، والتخلي عن الجمل الطويلة، وكذلك إلغاء المقاطع المبهمة، غير المفهومة، وحذف المرجعيات التاريخية أو الأدبية التي استندت إليها الكاتبة وأكثر من التفسيرات المعاكسة والمغلوطة ولاسيما حينما تتناول الكاتبة المفاهيم الفلسفية لدى هيغل وهيدغار أو كانت دون التطرق في ترجمته إلى المذهب الوجودي، حيث كان البروفسور في علم الحيوان في جهل مطبق حول ذلك، ورغم ذلك حظي كتاب (الجنس الآخر) في بلاد ما وراء الأطلسي على شهرة واسعة، قبل أن يصبح أحد الكتب المقدسة لدى الحركة النسائية الأميركية.
وتلك النساء هن من أعلن عن فضيحة الكتاب مع بداية أعوام الثمانينات، حين احتجت بعض استاذات الفلسفة في الجامعات الأميركية على هذه المغالطة الفاضحة، التي لحقت بكتاب عظيم عبر مقالات مطولة كتبتها حول ذلك وأدركت الكاتبة دوبوفوار الغبن الذي لحق بكتابها عبر اقتطاع أجزاء منه، وعبثاً طلب بارشلي المساعدة منها، إذ برأيه ليس ثمة خطأ في الترجمة واكتشفت الخطأ عندما كتبت لها عنه البروفسورة في الفلسفة في جامعة إلينوا الجنوبية، مارغريت سيمون عام 1982 وردت عليها الكاتبة قبيل أربعة أعوام من وفاتها تقول لها (أذهلني أن أرى إلى أي مدى شوه السيد بارشلي كتابي، وأتمنى من أعماق قلبي أن تستطيعي نشر ترجمة جديدة عنه) وفي عام 1999 وخلال مؤتمر عقد في باريس لإحياء الذكرى الخمسين لنشر (الجنس الآخر) في فرنسا، طالبت كل من كونستانس بورد وصديقتها شيلا مالوفاني - شوفالييه الناشطتين في الحركة النسائية بإعادة ترجمة الكتاب (من أجلنا نحن، ينبغي إعادة ترجمة الجنس الآخر) وقدمتا خدماتهما لدى المسؤولة عن حقوق النشر لدى دار غاليمار الفرنسي، الناشر للكتاب. وكان أمام الدار مهمة إقناع صاحب حقوق النشر في أميركا دار كنوف، الذي باع منه مليون نسخة على مر كل هذه السنين، وفي عام 2003 جاءها الرد من الدار بأن (ليس ثمة قانون) يبيح إعادة الترجمة وأصرت على طلبها متذرعة أن (الانغلو أميركيين هم الوحيدون في العالم الذين لم يقرؤوا كتاب الجنس الآخر كاملاً وبشكل صحيح) وأن إعادة نشره يمكن أن يحظى بنجاح تجاري كما حصل سابقاً في النرويج عام 2000 (حيث باعت النرويج 20 ألف نسخة من الترجمة الجديدة للكتاب خلال شهر واحد) ويعتبر هذا الرقم كبيراً بالنسبة لبلد مثل النرويج.
وفي عام 2004 خرجت القضية من دائرة الحركة النسائية عندما نشرت سارة غلازر الصحفية في نيويورك تايمز، مقالاً كرسته للقضية التي دعتها سيلفي دوبوفوار بأنها فضيحة واتجهت دار غاليمار الفرنسية إلى بريطانيا حيث كان قد اشترى الناشر جوناثان كالب حقوق الترجمة الأولية من دار كنوف عام 1953 وحملت إيلاه ألفري تلك القضية على عاتقها حيث وضعت إشارات عن الكتاب في صفحتها على الفيسبوك، ولاحظت من ردود الأفعال التي ثارت في كل من أميركا وبلدان أخرى أن الكتاب لا يزال يلقى صدى حديثاً واتفقت دار كاب وكنوف على تقاسم تكاليف ترجمته حيث حافظ المترجم فيها على الأمانة في نقل اسلوب دوبوفوار واستخدامها الجمل الطويلة والتقليل من علامات الترقيم.