كما أن فرسايل في فرنسا هي مدينة ملوك فرنسا وعظمائها فإن بوتسدام في ألمانيا هي مدينة ملوك الألمان وكبار رجالهم، وهي تشبه بقصورها وحدائقها عظمة فرسايل وجمالها.
تبعد بوتسدام عن برلين نحو ساعتين، وبوتسدام قائمة بين غابات كثيفة وبحيرات رائعة منها وانسي وهي من المناظر الطبيعية الخلابة، وفي بوتسدام آثار كثيرة منها كنيسة الجيش، لهذه الكنيسة شهرة واسعة لأنه دفن فيها جثمان الملك فريدريك الثاني الملقب بالكبير الذي شيد قصراً له حكاية تاريخية طريفة، فبينما كان الملك فريدريك يتنزه في بوتسدام وصل إلى طاحون كتبت عليه هاتان اللفظتان «دون هم» فسأل صاحب الطاحون مامعنى ذلك؟ فأجابه: إنني منذ أنشأت هذا الطاحون أرى الحياة تبسم لي وأبتسم لها، وكان الملك متشائماً فطلب إلى الرجل أن يبيعه الطاحون لعل تشاؤمه يتحول تفاؤلاً، فأبى الطحان البيع فأراد الملك إرغامه لكن الرجل أقام دعوى على ملكه وربحها ومنذ ذلك التاريخ يقال: «إن في برلين حكاماً» يضرب هذا المثل حينما يريد المرء أن يتغلب على الحق بالقوة.
ولما خسر الملك دعواه شيد بالقرب من الطاحون الذي لايزال محفوظاً كأثر تارخي قصراً فخماً سماه الاسم نفسه أي «دون هم» فكان القصر محط رجال العلم والأدب في أوروبا وقد قصده الفيلسوف الفرنسي فولتير وقضى فيه بضع سنوات وفي القصر مجموعة نادرة من الصور رسمتها ريش أبرع الرسامين وهو محاط بحدائق غناء تزينها أبدع الزهور والأشجار المثمرة، وقد نسقت على نسق جنان فرسايل التي تعد آية في فن إنشاء الحدائق.
ومن الآثار الجميلة في بوتسدام القصر المرمري الذي أدخل في بنائه جميع أنواع المرمر في العالم فجاء القصر تحفة ثمينة تبهر العيون وتخلب الألباب.