بل وبعد أن بات ثابتاً أنه قد توطن فيها مثل توطنه في أميركا التي كانت تظن نفسها بمنآى عن مخاطره.
لم يعد مركز الإرهاب الأساسي متمثلاً في جبال تورا بورا أو وزيرستان , بعد أن بذل الغرب كل جهده لجلب هذا الإرهاب من كل مكان في العالم ليتوضع في الشرق الأوسط , ولاستهداف سورية بشكل خاص , وذلك من أجل عيون إسرائيل . فلقد بات ثابتاً الآن أن الإرهاب توطن في أوروبا وأميركا وأنه اتخذ من كوسوفو - وربما من غير كوسوفو أ يضاً - قواعده للتدريب ونقاطاً للانطلاق , وبعد أن كانت تركيا العضو في حلف الناتو معبر الإرهابيين الى سورية هي اليوم معبر للإرهابيين في اتجاهات أخرى بما في ذلك أوروبا .
إن كل تواطؤ أقدم عليه الغرب في سياق استثماره للإرهاب , وكل تساهل أبداه الغرب في تعامله مع الإرهاب على أمل أن يحصر هذا الإرهاب شرّه في استهداف العرب والمسلمين , يتضح الآن أنه ينقلب على حكام الغرب غمّاً وهمّاً , وها هم يرون ذلك يتحقق على أرض الواقع , وإن كان سلوكهم حتى الآن يدل على أنهم لم يتعظوا , وأنهم لا يريدون فهم حجم المشكلة التي صنعوها لأنفسهم .
حين تبنى الغرب الإرهابيين وشجع الأنظمة المصنّعة لهم والتي هي صنيعته أيضاً كان يضع في حسابه احتمالين: أولهما أن ينجح الإرهاب في نشر الفوضى في المنطقة بما يمهد السبيل أمام الكيان الصهيوني لتنفيذ بطشته الكبرى , أو أن يفشل الإرهابيون في إيصال المنطقة الى حالة الفوضى , وأن يهزموا وتتفكك خلاياهم . لعل حكام الغرب اعتقدوا أن مآل الإرهابيين في الحالتين هو أن تجري تصفيتهم بعيداً عن بلدان الغرب نفسه . لكن مثل هذا الاعتقاد يفتقر الى أبسط معطيات المنطق . فتجنيد الإرهابيين في الغرب , والذي تغض أجهزتهم الأمنية عنه الأنظار , وكأنه أمر لا يعنيهم لن يتم بالضرورة وفق سيناريو محدد لا استثناءات فيه , كأن يتم تجنيد خلايا محلية وتكليفها بمهام محلية , ثم إن الإرهابيين لن يكون ممكناً التحكم بأمزجتهم جميعاً , فمنهم من يقطع مهمته في الشرق مقرراً العودة الى الغرب , ومنهم من يجعل هذه العودة تتم بجوازات سفر مزورة , أو يلجأ الى أساليب التهريب . بل إن احتمالات التواطؤ بين بعضهم وبين المخابرات التركية المتعاونة مع الغرب هي احتمالات واردة أيضاً . وعلى العموم , تستطيع حكومات الغرب حتى الآن أن تلاحظ الواقع القائل بأن الإرهاب لم يعد يقف فقط على الأبواب , أو يتواجد عند الأعتاب , ولكنه بات موجوداً داخل البيت الغربي , وقد أخذ يوجه ضرباته للغرب بالفعل . وهذا يعني أن عملية التجنيد بغرض استهداف أوروبا صارت مسألة أساسية عند الجماعات الإرهابية .
لقد ذهب الأمريكي قبل أن تبدأ مباريات بطولة أندية أوروبا بكرة القدم الى تحذير رعاياه من خطر تعرضهم لضربات الإرهاب في أوروبا . لكن الضربة جاءت للأمريكي في فلوريدا , أي في أميركا نفسها . والواقع أنه لو كان الأمريكي يحسب حساب الخطر الإرهابي على رعاياه بشكل فعلي لوجب عليه أن يدرك بأن هذا الخطر يمكن أن يطال الأمريكيين في معظم أنحاء العالم , إن لم نقل في كل أنحاء العالم .
إن الهزائم التي يتعرض لها الإرهابيون الآن من شأنها أن تفاقم أعداد الإرهابيين العائدين الى الغرب فراراً , وأن تدفع آخرين الى البقاء في الغرب وحصر نشاطهم الإرهابي حيث يوجدون , ولا نظن أن بوسع الغرب حصر جميع الإرهابيين ومحاصرتهم والحيلولة دون قيامهم بشن الهجمات عليه . ولقد ثبت له عملياً أنهم قادرون على توجيه ضرباتهم له . ونظن أن في هجمات باريس وبروكسل وفلوريدا ما يكفي للدلالة على أن خطر الإرهاب بات ماثلاً في الغرب ولم يعد مجرد احتمال قابل للتطويق كما كانوا يتصورون . وإذا كان الغرب قد زج بقوات له – ولو رمزية – في منطقتنا بدعوى محاربة الإرهاب الداعشي , فإن سلوكه هذا في حد ذاته سيكون سبباً في استهداف الإرهابيين للغرب على سبيل النكاية . فالثابت عملياًأن الغرب وإن وظف الإرهاب لصالح المخطط الشيطاني الذي ينفذه لحساب الصهاينة إلا أنه لا يملك إمكانية التحكم الكلي بالمدخلات والمخرجات بالنسبة لتلك العصابات , وأنها يمكن أن تبيّت له العديد من المفاجآت .