وظلت الصورة الأوروبية في العقل العربي شديدة السلبية، فهي متهمة بتصديرأزماتها مع اليهود أو مايسمى «المشكلة اليهودية للعرب» وهي أول من أعطى الشرعية لقيام الكيان الصهيوني أو مايسمى «الدولة الصهيونية» أو «إسرائيل» وأول من ساندها وسلمها ودعمها مادياً ومعنوياً، وأكثر من يتستر على جرائمها ويبررها وأبرز من يتغنى بديمقراطيتها متجاهلاً حقيقتها العنصرية كاستعمار استيطاني يدنس كل المقدسات ويعتدي على الحقوق الإنسانية التي يرفع الأوروبيون شعاراتها، كل هذا صحيح مئة بالمئة وليس فيه أي تجاوز أو مغالاة، لكن مايحدث الآن ونشاهده شيء آخر.
لاشك أن أوروبا الآن بدأت تتجرأ على «إسرائيل» وتدخل معها في تجاذبات شديدة الحساسية بالنسبة للكيان الصهيوني على غرار الرفض الأوروبي لسياسة الاستيطان «الإسرائيلية» والاستعداد الأوروبي للاعتراف بالقدس الشرقية (المحتلة) عاصمة للدولة الفلسطينية عند قيامها، والاستعداد أيضاً للاعتراف بهذه الدولة وللجهود الرامية إلى سرعة إعلان قيامها.
فعلى مدى الشهرين الماضيين اللذين شهدا تجاذباً حاداً فلسطينياً «إسرائيلياً» حول موضوع المستوطنات، وشهدا أيضاً تراجعاً أميركياً مخزياً عن التزام أميركي مسبق يجعل وقف التوسع الاستيطاني «الإسرائيلي» في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة شرطاً لاستئناف التفاوض، حيث قبل الأميركيون بما يراه «الإسرائيليون» ما يجعل الموضوع حول التوسع الاستيطاني بنداً من بنود التفاوض، وليس شرطاً مسبقاً لبدء ذلك التفاوض، وشهدا أيضاً سلبية عربية غير مسبوقة وعزوفاً شبه كامل عن التعاطي مع القضية الفلسطينية وتطوراتها، لقد كان الاتحاد الأوروبي سباقاً في كشف وفضح التوسع الاستيطاني وخاصة في مدينة القدس المحتلة، وبالذات ما يحدث من أنشطة «إسرائيلية» هدفها تهجير السكان الأصليين للقدس من العرب خارجها وتفريغها من أهلها عنوة كضرورة لإكمال تهويد المدينة وفرض القدس الموحدة عاصمة أبدية للدولة الصهيونية التي يجري تهويدها أو فرض تهويدها على الفلسطينيين والعرب والعالم.
في التاسع من أيلول الماضي عبر الاتحاد الأوروبي عن قلقه من قرار الحكومة «الإسرائيلية» بالسماح بإقامة مئات الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية واعتبرها عقبة حقيقية في وجه عملية التسوية السلمية، وقال بيان صادر أصدرته السويد التي تترأس الاتحاد منذ منتصف هذا العام، إن «المستوطنات» من وجهة نظر قانونية دولية، غير شرعية، وإنها عقبة أمام السلام.
هذا التقرير شكل الأساس للمبادرة السويدية ومشروع القرار الذي أعدته السويد لعرضه على مجلس الوزراء الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي ويطالب بضرورة الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين المستقبلية، مع التشديد على أن هدف المفاوضات بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» يجب أن يكون إقامة دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية قابلة للحياة وتحظى بتواصل إقليمي بين أجزائها وتضم كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كعاصمة لهذه الدولة، ويؤكد مشروع القرار أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بأي إجراء تقوم به «إسرائيل» لتغيير حدود عام 1967 إلا في حالة موافقة الجانب الفلسطيني، ويشدد على أن الاتحاد لم يعترف بضم «إسرائيل» للقدس الشرقية، ويوضح أن التوصل للسلام الحقيقي لابد من إيجاد حل أو طريق لحل وضع مدينة القدس كعاصمة للدولتين، هذا المشروع وضع الاتحاد الأوروبي في مواجهة مباشرة، بل وفي صدام مباشر مع «إسرائيل» التي هددت بحرمان الاتحاد الأوروبي من لعب دور الوسيط في أي مفاوضات للسلام في المستقبل في الشرق الأوسط وكشفت صحيفة «هآرتس» الصهيونية أن الدبلوماسيين يتابعون المبادرة السويدية منذ أسابيع.
التحرك «الإسرائيلي» لم يقتصر على وزارة الخارجية بل تشارك المعارضة بقوة في دعمه، حيث تقود تسيبي ليفني وزيرة الخارجية السابقة زعيمة حزب «كاديما» المعارض هذه الدبلوماسية.
كل هذا يحدث والنظام الرسمي العربي غير مشارك باستثناء جهود فردية قام بها بعض وزراء الخارجية العرب في محاولة لتذليل الخلافات المثارة حول المشروع السويدي بين الدول الأوروبية حيث حل الانقسام حول المشروع.