تارة بالتجميد وتارة أخرى بالتقليص أو أي تسمية أخرى, فكل ذلك يندرج ضمن تكتيكات مؤقتة هدفها كسب الوقت والمناورة وخداع الرأي العام الدولي، ففلسطين اليوم في مرمى سياسات الاحتلال الاستيطانية ضمن إطار مخطط شامل لم يعد سرياً بل يتم علناً على مرأى من العالم العربي والمجتمع الدولي وتحت مظلة عملية السلام.
مشاريع بالجملة.... أرقام ومخططات... خرائط ومستوطنات وكلها تهدف لتحويل كل مدينة وقرية فلسطينية إلى جيب منقطع محاط بمناطق سيطرة اسرائيلية عسكرية أو استيطانية بما يكفل قيام دولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح والهواء والماء والغذاء حسب النظرة الاسرائيلية (في حال قيامها )لتتحول هي الأخرى إلى سجن أكبر من سجن قطاع غزة المحاصر...
فكل يوم يطالعنا مخطط جديد لبناء مستوطنات جديدة، فمن مخطط لإقامة 33 نفقاً في الضفة الغربية تمهيداً لتقسيمها إلى ثمانية كانتونات لايربطها ببعضها سوى شوارع التفافية أو أنفاق يتحكم بها جيش الاحتلال إلى هدم البيوت الفلسطينية وما كشفته مصادر اسرائيلية عن اتفاق سري بين من يفترض أنه راعي السلام وبين حكومة العنصرية لإقامة 3500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية, إلى قرار سلطات الاحتلال بناء تسعمئة وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة الذي أكد أن نتنياهو لايزال متمسكاً بالاسيتطان رغم الانتقادات الدولية.
مقدماً بذلك دليلاً إضافياً على أن حكومته لن تسير إلا على نفس المنوال الذي سار عليه أسلافها في لعبة الكذب والمراوغة وكسب الوقت لتعطيل التسوية وتكريس واقع استيطاني يلغي الطابع العربي للقدس المحتلة ويجعل من المستحيل التوصل إلى اتفاق سلام.
فإصرار نتنياهو على مواصلة سياسة الاستيطان يقضي على آمال التسوية ويضع مصداقية الإدارة الأميركية المتأرجحة المواقف على المحك، و خاصة مع حرصها على إظهار رغبتها الدائمة بالعمل لتحقيق السلام وحتى الآن يبقى الرهان على موقف أميركي معتدل في عملية سلام متعثرة بعيد المنال.
وفي خطوة تعتبر استمراراً لهذه السياسة وتحدياً للمجتمع الدولي خصص نتنياهو ثلاثين مليون دولار لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة حيث يقيم 110 آلاف مستوطن.
وسارع بيني بيغين الوزير في حكومة الاحتلال للإعلان أن حكومته لم تقرر تجميد الحياة في المستوطنات بل ستكتفي بفرض بعض القيود على أعمال البناء في الضفة الغربية، وخلال الأشهر العشرة المزعومة لإيقاف الاستيطان سوف يضاف ما لايقل عن عشرة آلاف مستوطن إلى 300 ألف يستوطنون في الضفة المحتلة حالياً.
مؤسسة الأقصى للوقف والتراث كشفت في تقرير لها أن سلطات الاحتلال ستفتتح قريباً ما يسمى متحف الهيكل الثالث المزعوم في ساحة البراق قبالة المسجد الأقصى المبارك والذي هو بالأصل بناء إسلامي هدمه الاحتلال الاسرائيلي عام 1967.
وبالنتيجة فإن إصرار حكومات الاحتلال على مواصلة سياسة الاستيطان والتهويد يعني أنه لا أمل في أي تسوية ممكنة ويضع المنطقة أمام احتمالات المواجهة، ومن جهة ثانية يضع الطرف الأميركي الراعي لعملية السلام أمام مسؤولياته وخاصة مع حرصه على إظهار رغبته الدائمة بالعمل لتحقيق السلام حتى لايبقى الرهان على موقف أميركي معتدل وضاغط في التعامل مع القضية الفلسطينية بعيد المنال.
من الجانب الآخر أي العربي والفلسطيني والإسلامي بات من الضرورة إدراك أن معركة التصدي للعدوان الاسرائيلي وصلت إلى مرحلة حاسمة والمطلوب فيها موقف عربي وإسلامي واضح وصريح وداعم لصمود من شأنه أن يحسم مصير مشروع الاحتلال إما لجهة نجاح مخططه أو لجهة خلق قناعة راسخة لديه أنه أعجز من أن يغير وجه المدينة العربي والإسلامي التي تتعارض مع كل قواعد القانون الدولي والإنساني وخاصة المادة 23 من اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1949 والتي تنص على حظر هدم المنازل في الأراضي المحتلة على يد قوة الاحتلال، كما تخالف نص المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تقول بعدم جواز حرمان أي شخص من ممتلكاته بشكل تعسفي تحت أي ظرف.