حيث يبدو من استخدام الكيفيتين أننا إزاء غايتين مختلفتين من المعلومة، يتطلب هذا الاختلاف تمايزاً واضحاً في الكيفيات يضمن وصولاً مؤثراً للمعلومة بالمعنى الاجتماعي المعاصر.
هذا ما بدأ به الكاتب نجيب نصير محاضراته التي ألقاها في مؤتمر الثقافة العربية في مكتبة الأسد حيث قال: إن القراءة هي القراءة الفردية الاختيارية، المتنوعة والمشوقة والتي تفترق عن المشافهة بوصفها جمعاً مجبراً يستمتع باستعادة ما يعلمه، حيث يبدو الفارق جلياً من ناحية إطلاق الخيال الفردي الحر المبادراتي وبين إطلاق الخيال المحدد والمقونن بتجربة الملقي المرجعية، ومن مزاعمي أيضاً أن القراءة تقديم ما هو نسبي من المعلومات يمكن مناقشتها قبل انخراطها في التفاعل المعرفي لتبدو المشافهة أقرب إلى الاطلاقية والاكتمال، حيث يمكن إزاحة المعرفة كمجال تطبيقي للمعلومات فالعلم والمعرفة هما واحد في المشافهة لذلك يمكن للوعي ونوعيته وإمكانية تأثيره أن يكون مختلفاً بين المجتمعات القارئة والمجتمعات المستمعة ولاأقصد القيام بمقارنة بين مجتمعات متقدمة ومجتمعات متخلفة لكنني أنظر إلى أن القراءة في المجتمعات العربية كضرورة اجتماعية نهضوية اقترح الاتفاق على أنها مرحلة ابتدائية ضرورية في حياة الشعوب المعاصرة تضمن الانتقال بجدارة معرفية إلى ما بعدها من مراحل ثقافية مطلوبة، وهنا لا أنزه أي كيفية من كيفيات نقل المعلومة من الهوى والخطأ والعبث ولكن القراءة تبدو متقدمة على كيفيات التوصيل السابقة لها، حيث إمكانيات الاكتشاف والمراجعة والبحث في نص مثبت الطباعة بينما تقدم المشافهة نصاً يمكن للملقي التملص منه بإعادة الصياغة أوالشرح ولاتتوقف مظاهر عطب ممارسة القراءة عند الاحصائيات بل تتجاوزها إلى الأفعال والممارسات البشرية كسياق اجتماعي عام كالأمية وهدر الوقت، الخوف من استخدام اللغة الفصحى وربما ممارسات أخرى تؤدي بالقراءة كوسيلة توصيل وتواصل رئيسة مع الموازي والمساوي الحقوقي إلى الشفوية كوسيلة توصيل وتواصل رئيسة هي الأخرى من الأعلى إلى الأدنى في تنازل تبرعي للمكانة الحقوقية للأدنى وتكريس مصلحي للأعلى على الأدنى فالقراءة بهذا المعني سر من أسرار الصنعة.
ومن تجربتي ككاتب سيناريو وحوار تلفزيوني تظهر مقدرتي الفذه على اعتماد المشافهة ككيفية توصيل حتى في كيفية توصيل وحداثية مثل الصورة التلفزيونية ولقد لاحظت أن أكثر المخرجين يقرؤون ويركزون القراءة على الحوار المنطوق وليس على الجزء الوصفي الحركي أو ما يسمى سيناريو ، حيث تبدو ثقافة الصورة المحدثة سوقاً تتعرض لنفس مصير القراءة ولنفس نتائج الإحجام عن ممارستها.
إن القراءة والتنمية مسألتان متداخلتان عضوياً فالتنمية مسألة معرفية لا تتبين لها طريقاً إلى مجتمع لا يعتمد المعلومات المتجددة والمتفاعلة مع الواقع التكنولوجي المحدث، فإذا كانت حاجتنا ضرورية للتنمية فإن من أولى أدواتها ووسائلها القراءة بمعناها الاجتماعي العمومي التي تعني المقدرة والأهلية على استهلاك منتجات العصر المتجددة. وتركها يعني إحداث فراغ يتوجب ملؤه بما يتوفر من معلومات لا تفيد ولاتشبه الجهالة التي لا تضر!!