تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خلاف المتشابهين وشجارهم

معاً على الطريق
الثلاثاء 22-12-2009
د. أحمد برقاوي

اعلم أن الاختلاف بين الناس حال طبيعية جداً، فالناس تختلف في آرائها وفي مواقفها وفي مصالحها غير أن أغرب ظاهرة من ظواهر الاختلاف هو ذاك الاختلاف الذي يؤدي إلى شجار بين المتشابهين في الوطن العربي.

ترى ماالذي يحمل المتشابهين على الخلاف ؟ قبل أن أجيب عن هذا السؤال دعني أيها القارئ العزيز أضرب لك مثلاً على شجار المتشابهين وخلافهم ها نحن أمام شخصين كليهما ينتمي إلى الأيديولوجيا ذاتها ، ويضمه حزب واحد. كلاهما استلم منصباً سياسياً، وكلاهما استلم منصباً إدارياً . كلاهما مارس الفساد ، وأثرى عبر الفساد، كلاهما الآن في وضع انتظار الرضا . كلاهما جاء من المؤسسة نفسها، كلاهما من منبت طبقي واحد، كلاهما يقيم علاقة مع الجهة نفسها وأناس بعينهم ، كلاهما في عمر واحد.‏

كلاهما عاش فترة من الحياة اليومية المشتركة التي أخذت في الظاهر شكل الصداقة ، سافرا معاً ، مارسا طقوس الأكل معاً وسلما على بعضهما البعض بحرارة وكلاهما لم يعد في موقع السلطة والقرار.‏

هما الآن في حال خلاف وشجار، أرأيت مشهداً يدعو إلى الضحك أكثر من هذا المشهد.‏

وليس هذا فحسب: كل منهما يمارس النميمة على الآخر ، والغرابة كل الغرابة أن النميمة المتبادلة بينهما واحدة.‏

فما يقوله الأول عن الثاني هو ذاته مايقوله الثاني عن الأول . وسيل الاتهامات التي يسوقها الثاني بالأول هي نفسها الاتهامات التي يسوقها الأول بحق الثاني.‏

ويزداد الأمر غرابة أن كل واحد منهما يتحيد الوجود في المكان الذي يوجد فيه الآخر وإذا ماالتقيا مصادفة في مكان واحد فإنهما يتعانقان ويتبادلان التعبير عن الأشواق الحارة.‏

أعود للسؤال ماالذي يحمل شخصين على هذه الدرجة من التشابه بل والتطابق في الأحوال أن يختلفا ويتشاجرا؟ وتصل العداوة بينهما إلى حد الإيذاء.‏

يبدو لي أن أخلاق القيل والقال أو مانسميه نحن معشر المشتغلين بالفلسفة - ثقافة اللغو - تؤدي بالمتشابهين الى الشجار. فكل من المتشاجرين يمتلك من المطاعن والسيئات مايكفي للحديث عنه بسوء، فيحدث أن يتحدث أحدهما عن الآخر ويأتي ثالث لنقل الحديث ويشي به. فينبري الآخر للدفاع عن نفسه ويبدأ يفضح هذا الذي نال منه بعرض مثالبه وسيئاته وهي المثالب والسيئات التي قالها الآخر عنه.‏

وهكذا تستعر المعركة بين الاثنين حتى تصل إلى حد القطيعة .‏

فإذا علمت أن عدد هؤلاء المتشاجرين - على مابينهم من تشابه صار لايعد ولايحصى أدركت حجم اللغو الذي يدور.‏

ومن الفوائد التي يجنيها المرء من هذه المعارك الشجارية التافهة أنه يتعرف على أخلاق أناسٍ كانوا لفترة ما جزءاً من جهاز من أجهزة مسيرة هذا الجانب أوذاك من حياتنا ، كما يتعرف عن سلوكهم وعن آلية وصولهم وآلية فسادهم وآلية خلعهم ، فأي شر أكثر من هذا الشر الذي تتعرض له مجتمعاتنا أيها الإنسان العربي الخانع.‏

تعليقات الزوار

عدنان مسلم |  adnan_musalam@hotmail.com | 22/12/2009 08:31

يسعد صباحك يا أيها العربي السيد بل سيد الاسياد 0

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية