عندما دنّس الفرنسيون شاطىء طرطوس وقد قتل يومها عدد كبير من الفرنسيين ولولا نيران البوارج الحربية الراسية في البحر قبالة الشاطىء السوري ما كان ليخرج أي فرنسي حياً من تلك المعركة ما اضطر الشيخ ورفاقه للانسحاب إلى معقل الثورة في قرية الرستة قضاء الشيخ بدر لتستمر ثورته على الأعداء ثلاث سنوات ونصف السنة، فكانت أطول الثورات السورية وأشرسها والتي كبدت العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وبعد انتهاء الثورة عام 1921 حاول الفرنسيون إغراء الشيخ وتسليمه المنصب الذي يريد لكنه رفض وآثر البقاء في منزله متنسكاً - عابداً وزاهداً بكل مغريات الحياة وقضى عمره يساعد الفقراء وروحه تتأمل الحرية المنشودة للوطن الغالي وكان ذلك في 17 نيسان عام 1946 وفي سياق رفضه للمغريات وجه قصيدة إلى الفرنسيين جاء في مطلعها:
بني الغرب لا أبغي من الحرب ثروة
ولا أترجى نيل جاه ومنصب
ولكنني أسعى لعزة موطن
أبيِّ إلى كل النفوس محبب
وتأكيداً منه أي من الشيخ المجاهد على الوحدة الوطنية التي تنعم فيها سورية منذ الأزل قال:
تودون باسم الدين توثيق أمة
تسامى بنوها فوق دين ومذهب
نعيش بدين الحب قولاً ونية
وندفع عن أوطاننا كل أجنبي
وما شرع عيسى غير شرع محمدٍ
وما الوطن الغالي سوى الأم والأب
وفي خضم المعارك وبين أزيز الرصاص وطعن القنا والسيوف كانت تتفتق عبقرية شيخنا المجاهد شعراً حماسياً ووجدانياً ليؤرخ لمرحلة جهادية كبيرة شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء.
وتأكيداً من مجاهدنا الكبير على تفانيه في خدمة الآخرين وأبناء الوطن وهب أملاكه الخاصة من أراضٍ ومنازل من خلال وصيته الشهيرة التي نصت حسب ما ورد فيها على أن يبنى له مسجد وضريح ليؤمه الزوار من جميع أرجاء سورية، أيضاً بناء مدرسة للعلوم الدينية والحديث بجانب ضريحه يعين فيها أساتذة مختصون كما نصت الوصية على بناء مستوصف حضاري يضم جميع الاختصاصات الطبية لمعالجة الفقراء والمساكين هذا بعض مما جاء في الوصية التي كتبها ووثقها قضائياً وشرعياً وقد نفذ منها ترميم الضريح والمباشرة في بناء الجامع والمدرسة وتحويل منزله في قرية الرستة إلى متحف وطني بعد استملاكه حيث أصدر السيد الرئيس بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 78 تاريخ 5/3/2008 والقاضي بإنشاء متحف المجاهد الشيخ صالح العلي وإذا كان شيخنا المجاهد قد برع في مقارعة المستعمر الفرنسي ونظم الشعر الحماسي والجهادي والديني وآثر الآخرين على نفسه ووهب أملاكه لأبناء الوطن فإنه برع في مجال السياسة وامتلك بعداً استراتيجياً وطنياً وقومياً واصلاحياً ونلمس ذلك في خطابه الشهير في عيد الجلاء الأول عام 1946 في دمشق حيث قال: مستذكراً البطولات والتضحيات التي قدمها أبناء الوطن مشيراً إلى أن المجاهدين السوريين لا يعتبرون أن واجبهم في الجهاد قد انتهى ما لم تجل الجيوش الأجنبية عن كافة الأقطار العربية. وفي نفس الوقت نبَّه في خطابه قائلاً: أيها السادة أحب ألا تقعد بكم سلافة الفوز على القيام بالواجبات المفروضة على كل منكم تجاه أمته وبلاده، وهي واجبات جسيمة تتطلب منكم السهر والحذر والعمل بلا إبطاء، والجد بلا تهاون فالبلاد الآن بأمس الحاجة إلى أبنائها العاملين ورجالها المخلصين لإصلاح ما أفسده المستعمر للقضاء على الطائفية البغضية والرجعية، فنحن لا نزال في صميم الجهاد. لقد انتهينا من جهادٍ أصغر إلى جهاد أكبر ونحن أحوج ما نكون إلى التكاتف والتضامن وإلى الإخاء والتعاون وإن أي انحلال في الصفوف من شأنه أن يؤثر على سفينة الاصلاح وإن إيثار الصالح العام على الصالح الخاص هو فرض واجب على كل وطني مخلص وإن الأمور لاتستقيم إلا إذا عرف كل واحد من الأمة واجبه فقام به خير قيام.
ويقام مهرجان سنوي تخليداً للشيخ ورفاقه المجاهدين على امتداد ساحة الوطن.. ومنذ 12 عاماً أصبح المهرجان مهرجاناً للشعر والفنون والندوات الأدبية والفكرية والسياسية واللقاءات الجماهيرية الحوارية مع المفكرين والساسة والأدباء.