والاستعمار حضوراً حيّاً وفاعلاً حفر في وجداننا وذاكرتنا ملامح بطولية سطرتها زنود المجاهدين والثوار وهم يتنقلون في ربوع الأرض السورية بين المنازل والوديان والجبال والسهول.. مرابطين في كل قرية ومدينة تشهد لهم الأشجار والحجارة والمغاور التي كانت ستاراً لهم حين ينصبون كمائنهم لاصطياد المستعمر لهذه الأرض الطيبة فداء لراية الوطن لتبقى مصانة تظلل أبناءها بالعزّة والكرامة.
لقد شغلت مرحلة الاستقلال أقلام المئات من المهتمين وحرضت عقول النقاد والكتاب والأدباء والسياسيين والشعراء موثقين وراصدين بالأقول والأفعال والصور خضم تلك المرحلة فكانت العديد من الكتب والمجلدات والمقالات التي تناولت الحدث.
وفي هذه المساحة نسجل بعضاً مما كتبه الأديب نجيب الريّس في رواياته حول سورية الانتداب من 1928-1936 وفق ما عرضه في مئويته وبشكل مستفيض جميع الأحداث التي شهدتها المنطقة حيث ذكر في أحد فصوله تحت عنوان «ضريبة الوطن يجب أن تدفع» وإذا لم نؤسس دولة رسمية فلنؤسس دولة وطنية فقال:تقضي الأمم المغلوبة على أمرها زمنا طويلا في درس الوسائل التي تؤدي بها الى استرداد استقلالها أكثر من الزمن الذي تستعيد من خلاله هذا الاستقلال لأن معرفة الوسيلة معرفة صحيحة أجلُّ شأناً من معرفة ما وراء هذه الوسيلة ودراسة الواسطة دراسة معقولة أهم من طلب الغاية ، وإذا لم تكن الواسطة ناجحة فإن إدراك الغاية سيظل بعيداً.
التنظيم هو الأساس
وبرأيه إذا كانت سورية قد أنفقت من حياتها 15 عاماً ونيفاً ولم تدرك غايتها في وحدتها وحريتها واستقلالها فإنها على الأقل قد درست وجرّبت من خلال تلك السنين وسائل هذا الاستقلال.
ويؤكد الريس ما قاله جميل مردم من أنه يجب ألا ننسى بأن هذا كله يحتاج الى مال ومتى وجد المال المطلوب بدت مظاهر التنظيم واتخذت شكلاً جديداً.
وأضاف بأن الشعب السوري في تلك المرحلة العصيبة كان يدفع في كل عام 4 ملايين ليرة كضرائب وغيرها لتستخدم هذه الملايين ضد أمانيه ورغباته فهل تراه يأبى دفع جزء يسير في سبيل تنظيم حركته الوطنية وتحقيق أمانيه، وبرأي مردم إذا لم نستطع أن نؤسس دولة رسمية في السراي وفي دار البرلمان فمن واجبنا أن نؤسس دولة وطنية شعبية دارها في كل دار من بيوت الأمة وبرلمانها في كل قلب من قلوب الشعب، ولكن هذه الدولة الوطنية لا تستطيع أن تملأ غير خزينة فلتملأ إذن خزينتها مالاً حلالاً من ضريبة واحدة ندفعها مخلصين باسم ضريبة الوطن، لأن ضريبة الوطن أقل الضرائب قيمة وأكثرها نفعاً... والأمة التي تدفع كل يوم ضريبة ولا تدفع للوطن ضريبة واحدة لا تستحق أن تقول إنني أريد الاستقلال وأطلب الوحدة وأكره الانتداب الأجنبي وحكمه.
ومن خلال ما تقدم أكد السوريون على اختلاف مشاربهم أنهم دفعوا الغالي والنفيس وجادوا بالدم والروح لتعميد تاج الحرية بالأحمر والبارود ويفوزون بضريبة الوطن بامتياز.
هكذا كان عظماء الثورة من مفكرين وثوار وكتل وطنية ينطلقون في ايمانهم وقناعاتهم من أن كرامة الوطن من كرامة أبنائه والعكس صحيح وهذا ما جسّدته أيام الجلاء ودونته عشرات الآلاف من الوثائق المكتوبة وحفظت ذاكرة الأجيال عن ظهر قلب تداعيات تلك المرحلة التي أغنت بتجاربها وصدق نضالها ثمار الاستقلال وجلاء آخر مستعمر أجنبي عن أرضنا لينبئنا الصبح بميلاد حزب جديد يعزز في جوهره كل مقومات بناء الوطن وهذا ما نعتزُّ به اليوم .
فكل عام والأمة مصانة.