جلاء الذل والعبودية والقهر من النفوس، وجلاء المستعمر الغاشم والقوات الأجنبية الدخيلة من غير رجعة عن ربوع وطننا المكافح عبر العصور والحقب التاريخية السائر قدماً بثقة واطمئنان نحو قمم الكرامة والمجد والشموخ ومنابع الضياء والسمو الوجداني في أرقى صوره ليأخذ وطننا كما عهدناه مكانه الطبيعي بين شعوب العالم على مائدة الحضارة الإنسانية فيغني الحياة ويغتني بتجارب الآخرين.
مع إطلالة عيد الجلاء البهي في مثل هذا اليوم من عام 1946 الذي أنهى ما يسمى حقبة الانتداب والوصاية القسرية يتجدد لقاء الفرح الوطني وتزدهر مواسم الحب والعطاء والخصب وتنطلق أناشيد الانتصار على الشفاه وتنتشي النفوس المؤمنة بزهوة وروعة الانتصار المبين على المستعمر الذي أراد إشاعة الخواء الفكري والانهزامية والسلبية في حياتنا اليومية ليتاح له الاستمرار في التحكم برقاب العباد واستلاب حق تقرير المصير من أجل ابتلاع خيرات الوطن ونهب الثروات العامة على حساب قوت أبناء الشعب .
والحق يقال: إن استقلالنا التام حصلنا عليه بفضل الثورات الشعبية المسلحة التي عمت المدن والقرى على امتداد الخارطة السورية والتي نتج عنها استشهاد عشرات الألوف من العرب السوريين الذين سقوا شجرة الحرية المباركة بماء عيونهم وبدمائهم الطاهرة فكانوا أحياء عند ربهم يرزقون مع الصديقين والمصطفين من كل عيب.
إن عيد الجلاء يعني في الذاكرة الوطنية الجمعية وفي صفحات التاريخ صرخة الحق في وجه الطغيان والاحتلال الظالم وصرخة الإرادة الوطنية الواعية في وجه الغزاة الجدد أسراب الجراد البشري الذين قدموا في سفنهم وبوارجهم الحربية ليعتدوا بكل دموية وشراسة على شعب آمن، ليعتدوا على قيم الحق والخير والجمال وكذلك العدالة.