تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فعل واقع وثقافة راسخة

شؤون سياسية
الجمعة 17-4-2009
د. ابراهيم زعير

إنها الذكرى الثالثة والستون للجلاء العظيم، جلاء المستعمر عن أرض الوطن، وكلما مرت السنون وأبعدتنا عن ذلك اليوم الأغر في السابع عشر من نيسان من عام 1946 نتذكر أولئك الذين قضوا في سبيل هذا الوطن أيام شبابهم في الصراع ضد المستعمر الفرنسي،

الذي تعلم من خلال تجربته المريرة مع الشعب السوري على مدى خمسة وعشرين عاماً من احتلاله لسورية، أنه من غير الممكن إركاع شعبها وقد فهم هذه الحقيقة واحد من أذكى ممثلي الدولة الفرنسية وهو الجنرال ديغول، الذي قال حكمته المشهورة: «واهم من يعتقد بإمكانه إركاع سورية» ولم يقل قوله هذا إلا بعد أن رأى بأم عينه، كيف تصدى الشعب السوري، منذ بدء الغزو الفرنسي لسورية عام 1920، لجحافل الجيش الفرنسي في روابي ميسلون الخالدة، عندما هب الجيش العربي السوري بقيادة وزير الدفاع آنذاك يوسف العظمة للتصدي للغزاة على مشارف دمشق الغربية، وكان يدرك جيداً أنه لن يعود إلا شهيداً بعد تلك المعركة غير المتكافئة من حيث العتاد أو الرجال، ورغم ذلك أبى أن تدخل جيوش فرنسا إلى دمشق هكذا وكأنها في نزهة، وستبقى كلماته الخالدة، أثناء توديعه لعائلته قبل خروجه لمقابلة الغزاة، شعلة مضيئة على مر الزمان، لقد قال: إنني أدرك جيداً أننا لن نتمكن من منع الجيش الفرنسي من دخول دمشق، ولكن يجب ألا يقال عنا ذات يوم أننا سمحنا له الدخول بسهولة دون مقاومة، فرخصت الروح وعزت الشهادة دفاعاً عن تراب الوطن.‏

وفي الرابع والعشرين من تموز عام 1920، سقط يوسف العظمة مع ضباطه وجنوده في هضاب ميسلون التي امتزجت ترابها بدماء الشهداء الأبطال الوطنيين العظام.‏

إن القيمة التاريخية لمعركة ميسلون،ليست في نتائجها العسكرية المباشرة وإنما في قيمتها المعنوية والفكرية والسياسية بالدرجة الأولى، فقد رسخت في وجدان وعقول الشعب السوري ماعهده في عصر الاحتلال العثماني أن التعامل مع المستعمرين من كل لون وشكل لايمكن إلا بالمقاومة. فالمقاومة تحولت إلى فعل واقعي وثقافة راسخة في وعي الشعب السوري والعربي، وكل محاولة للانتقاص من قيمتها وضرورتها في مجابهة المحتلين في كل زمان ومكان هي خدمة مجانية أو غير مجانية ومأجورة لقوى الظلم والاستعباد الاستعماري، وبفضل دروس المقاومة في ميسلون، لم يهنأ المستعمرون الفرنسيون في سورية ولا ليوم واحد منذ دخولهم إليها وحتى إرغامهم على مغادرتها جارين الخيبة والهزيمة والذل والعار، فالأرض السورية من جنوبها إلى شمالها، وفي كل مدينة وقرية، التهبت تحت أقدامهم، ولم تهدأ إلا بعد طرد آخر جندي فرنسي مستعمر عن أرض الوطن السوري في 17 نيسان عام 1946 ، هذا اليوم الذي أصبح بحق عيد الأعياد الوطنية، وأعظمها شأناً ومكانة في تاريخ سورية الحديثة والمعاصر.‏

لقد تحقق الجلاء على يد الثوار المقاومين، وما كان لهؤلاء الثوار الانتصار الكبير وطرد المحتلين، لولا الدعم الشعبي والجماهيري الواسع، فقوة المقاومة تكمن في احتضان الشعب لها ودعمها بكل أسباب القوة المعنوية والمادية، ومازالت قوتها وحتى يومنا هذا تكمن في هذه الخاصية المتميزة لدى جميع شعوب الأرض، والمقاومة لاتقتصر أشكالها على استخدام السلاح، فالمقاومة المسلحة تشكل أرقى أشكال المقاومة ضد المحتلين، وهي تحظى بالمشروعية الجماهيرية والدولية، ومن حقها أن تتلقى الدعم العسكري من كل جهة تؤمن بها وبدورها في تحرير الأوطان والمحافظة على استقلال هذه الأوطان، والصمود ودعم المقاومة المسلحة هو مقاومة، وفي بعض الحالات المرتبطة بمعطيات الواقع الملموس، يعتبر العمل السياسي المقاوم أكثر فعالية من السلاح المقاوم، فالمقاومة المسلحة هي في نهاية المطاف فعل سياسي ووطني هدفه الرئيسي منع العدو المستعمر من تحقيق أهدافه الاستعمارية، وخير مثال على ذلك الصمود الوطني السوري الذي أفشل المشاريع الاستعمارية والصهيونية في المناطق على امتداد عشرات السنين، منذ الاستقلال الوطني وحتى اليوم.‏

ومعركة السلام هي فعل مقاوم، فرفض املاءات وشروط العدو الصهيوني والامبريالي بما يطلق عليه عملية السلام فعل مقاوم، لأن المقاومة المشروعة مرتبطة بقضية الشعوب العادلة من أجل الحرية والاستقلال وطرد المستعمر من الأرض الوطنية المحتلة، وكل فعل آخر مناقض لهذا الجوهر هو استسلام وهروب من استحقاقات السلام العادل والشامل، والمحاولات التي تجري هنا وهناك للمس بسمعة المقاومة الباسلة في فلسطين والعراق ولبنان، هو عمل خياني، وخدمة للمحتلين للأرض الوطنية.‏

إن سورية العربية التي تفتخر بدعمها للمقاومة الوطنية ومحاربتها للإرهاب الإجرامي الصهيوني ولجميع أشكال الإرهاب، باتت قبلة للمناضلين الوطنيين وللمقاومين الأبطال في دنيا العرب، هذه السياسة التي يعبر عنها بكل شرف وكرامة السيد الرئيس بشار الأسد الذي يساهم في ترسيخ ثقافة المقاومة في الأرض العربية الطيبة التي تلفظ كل معتد ومحتل وعميل لهذه الأرض.‏

إننا اليوم ننحني إجلالاً لذكرى أبطال الجلاء المجيد، الذين نتعلم منهم أن راية الوطن ستبقى مشرعة وأن مفهوم الوطن سيبقى الأغلى والأهم في حياتنا.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية