وفي المقابل لا تسمح الولايات المتحدة لأي دولة كانت أن تظهر أي قوة، ولو كانت موجهة لخير البشرية.
بعد أحداث 11 أيلول روجت السياسة الأمريكية مقولة إن أعمال الإرهابيين ضد الولايات المتحدة ليست انتقاماً من سياسات أمريكا الخاطئة في العالم، وإنما موجهة ضد حريتها وديمقراطيتها وثروتها. وصرح بوش – من دون خجل طبعاً – بأن «أمريكا ليست وحدها التي هوجمت في 11 أيلول2001 وإنما الحضارة. لقد تعرضنا للهجوم ليس بسبب نقائصنا، وإنما بسبب فضائلنا»!! وطبعاً الفضائل الأمريكية تملأ العالم على شكل قنابل واغتيالات.
ليس هناك أحد إلا ويدرك أن بوش يكذب، لأن جيمي كارتر قبل ذلك بزمن تحدث عن السياسة الخارجية الأمريكية والكره الذي يكنه الناس لها قائلاً: «لقد أرسلنا مشاة البحرية إلى لبنان، وليس عليكم إلا أن تذهبوا إلى لبنان أو إلى سورية، لتروا بشكل مباشر الكراهية الشديدة التي يكنها أناس كثيرون للولايات المتحدة، لأننا قصفنا بالقنابل وقتلنا بلا رحمة قرويين أبرياء تماماً: نساء وأطفالاً ومزارعين وربات بيوت في تلك القرى الواقعة حول بيروت. ونتيجة لذلك أصبحنا نوعاً من الشياطين».
عقب 11 أيلول بشهرين ونصف الشهر أمطرت الولايات المتحدة وابلاً يومياً من القذائف على أفغانستان، إحدى أفقر دول العالم وأكثرها تخلفاً. وقتلت عدداً كبيراً من المدنيين الأبرياء بقذائف كروز والقنابل الانشطارية التي تزن 15 ألف رطل، وقنابل اليورانيوم المستنفد والقنابل العنقودية. وقتل خلال تلك الهجمات الوحشية عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين، عدا عن الذين ماتوا فيها بالأمراض التي سببها اليورانيوم.
أخبرت شبكات التلفزة الأمريكية الناس أن قتل المدنيين في الحرب لايمكن تحاشيه. والحال هذه، فلماذا إذاً لا تحتسب إصابات مركز التجارة العالمي إصابات حرب؟ ألم يخبر جورج بوش العالم مرات ومرات أن 11 أيلول عمل من أعمال الحرب؟ ألا يتساوى المدنيون في أفغانستان مع المدنيين في أمريكا؟ لماذا كرست وسائل الإعلام الأمريكية قدراً كبيراً من وقتها لحالات موت المدنيين في 11 أيلول، ولم تكرس ثانية واحدة لموت المدنيين في أفغانستان؟
يطرح ويليام بلوم في كتابه هذا (الدولة المارقة) كثيراً من الأسئلة على قارئه، ويورد حقائق كثيرة عن الدور الأمريكي القذر في زعزعة سلام الكوكب، ويقول: «أليس هذا لافتاً للنظر: ففي مجتمع يفترض أنه حر وبصحافة يفترض أنها حرة، وفي وجود 1500 صحيفة يومية، فإنه من الغريب ألا نعثر على صحيفة يومية أمريكية واحدة، تعارض بجلاء قصف الولايات المتحدة لأفغانستان أو ليوغسلافيا أو للعراق؟». ويذكر بلوم أن أمريكا تؤوي أكبر عدد من الإرهابيين ولا يفوقها بلد في ذلك. في حين قال بوش إن أمريكا لن تشن حرباً ضد الإرهابيين وحدهم، وإنما ضد كل بلد يؤوي الإرهابيين!!
حتى نهاية القرن العشرين أطاحت الولايات المتحدة بأكثر من 40 حكومة أجنبية، وسحقت أكثر من 30 حركة وطنية شعبية، وأنهت حياة ملايين الناس الأبرياء. وفي الغالب يكون الأبرياء من الأطفال، ولذلك تستحق الولايات المتحدة لقب «الدولة المارقة» ويستحق قادتها بجدارة لقب «قتلة الأطفال بالمنشار الكهربائي».
لقد أظهرت تقارير من داخل الكونغرس أن القيادة الأمريكية – التي لا تهتم لحياة وأرواح الناس خارج الولايات المتحدة - لا تهتم لحياة أبنائها أيضاً، وذلك من خلال ما أعلن عن استخدام ما يقرب من 60 ألف عسكري كمادة بشرية لاختبار عاملين كيميائيين: غاز الخردل وغاز اللوزيرت. وتم تهديد من تم عليه الاختبار بالسجن إذا تحدثوا عن ذلك. وفي حرب الخليج تعرض 100 ألف جندي أمريكي لغازات وانبعاثات سامة وإشعاعات من اليورانيوم المستنفد المستخدم في ميدان المعركة.
هل تبالي هذه الحكومة بحياة الشعوب الأخرى، إذا كانت لا تبالي بصحة وحياة جنودها الذين يدافعون عنها وعن بلادهم؟
في فصل «مجرمي الحرب» أعد ويليام بلوم قائمة بالقادة المجرمين الأمريكيين الذين يقترح أن يحرموا من دخول أي دولة ومحاكمتهم في المحاكم الإنسانية بسبب جرائمهم ضد الإنسانية. ومن الأسماء: بيل كلينتون – بسبب قصف يوغسلافيا والعقوبات على العراق وقصف الصومال والبوسنة والسودان؛ جورج بوش – بسبب قتله آلاف العراقيين الأبرياء وبينهم آلاف الأطفال؛ كولين باول – بسبب تغطية جرائم الحرب في فيتنام وقصف العراق؛ رونالد ريغان – لمسؤوليته عن الموت والتعذيب وسحق الأمل الذي أوقعه بشعوب السلفادور وغواتيمالا ونيكاراغوا وغرينادا وقصف لبنان وليبيا وإيران؛ هنري كيسنجر – لدوره في تدخل الولايات المتحدة في أنغولا وتشيلي وتيمور الشرقية بصورة وحشية.
يقول دوغلاس لوميس العالم الأمريكي في الشؤون السياسية، وهو يسخر من سياسة بلاده الداخلية والخارجية ومن العقل الأمريكي الديمقراطي: «إننا في الولايات المتحدة لن نقبل أن يرشح للرئاسة شخص ألقى قنبلة في مطعم مكتظ بالناس، ولكننا نفرح ونسعد لانتخاب شخص أسقط قنابل من الطائرات لم تدمر المطاعم فقط، بل المباني التي تضمها والمجاورات التي تحيط بها. إن القصف بالقنابل من الجو هو إرهاب دولة، إرهاب الأغنياء. لقد أحرق أشلاء أبرياء في العقود الستة الماضية أكثر مما فعله الإرهابيون المناوئون للدولة على مر الزمان».