إذ لم يكن البريطانيون يوما متحمسين تماما لفكرة انضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي منذ دخلوه عام 1973، في حين تتواصل معها أيضا على الصعيد الخارجي تكهنات المشهد المتوقع وكل من موقعه، وبين الضرر والخسارة من جهة وبين الربح والتقدم تدور حوارات المجالس.
يختلف البريطانيون في تقييمهم لتجربة عضوية بلدهم في الاتحاد الأوروبي، فمؤيدوها يرون أن فقدانها سيضعف تأثير بلادهم على سياسات الهجرة الأوروبية، إضافة إلى عزل الاقتصاد البريطاني وضياع الفرص التي توفرها السوق الأوروبية الموحدة، وستكون البلاد ملزمة بدفع مبالغ أكثر للتجارة في القارة الأوروبية.
كما أن قرار الخروج من الاتحاد سيستدعي إجراء استفتاء آخر بشأن استقلال اسكتلندا - حسبما قالته رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجن- وسيعطي الحركة القومية فيها حافزا تحتاجه للانفصال عن بريطانيا، إضافة إلى أن الخروج سيحرمها من التأثير السياسي الدولي القوي لأنه يعني بقاءها لاعبا وحيدا ومعزولا في العالم.
وفي المقابل ينتقد مؤيدو الانسحاب هذه التجربة التي جعلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تحكم على بلادهم بأن تمنح حق التصويت للسجناء في الانتخابات الوطنية، ومنعها إياها من ترحيل «الإرهابيين» المشتبه فيهم إلى بلدان لها سجل سلبي في حقوق الإنسان، ويعارضون المساعي الرامية إلى تحويل المفوضية الأوروبية -التي تقوم حاليا باقتراح التشريعات وتنظيم المنافسة- إلى شيء يشبه الحكومة، لأن ذلك يعني احتمال قيام «دولة أوروبا المتحدة» التي تتجاوز الدول القـُطرية.
ويقولون إن 350 مليون جنيه إسترليني التي تدفعها لندن لمنطقة اليورو يمكن إنفاقها على المواطنين، ومن الممكن أن تكون البلاد جزءا من التجارة الحرة من آيسلندا إلى تركيا، وليس من الضروري أن تكون ضمن وحدة سياسية وأن تخضع للمحكمة الأوروبية، ويرون أن الانسحاب هو الخيار الآمن لكي تستعيد بريطانيا ديمقراطيتها وتحمي اقتصادها وحدوده.
ومع اقتراب موعد استفتاء الخروج، سارع عدد من وسائل الإعلام في ألمانيا إلى العمل كنوع من محاولة توجيه قرار مؤيدي الانفصال نحو تبعات ذاك الانفصال على الوضع البريطاني والأوروبي عموماً، حيث أطلقت وسائل الإعلام الألمانية حملة إعلامية تحث البريطانيين على التصويت بـ»لا» في استفتاء الخروج ، كل من منظوره ووفقاً لرؤيته أو حجته.
مما نادوا به للتخوف من تأثير «عامل الدومينو» على الدول الأخرى، وتوجيه ضربة اقتصادية إلى الاتحاد، بالإضافة إلى كبح عملية الاندماج بين الدول الأعضاء.
وتحت عنوان «من فضلكم لا ترحلوا»، توسلت مجلة «دير شبيغل» الأكثر مبيعاً في ألمانيا البريطانيين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ففي عدد خاص نُشر قبل 10 أيام فقط من الاستفتاء شرحت المجلة الألمانية في 23 صفحة أسباب حاجة برلين إلى لندن؛ حيث كتب رئيسا تحرير المجلة، كلاوس برينك وفلوريان هارمز: الخيار هو بين لحظة كبرياء ومستقبل جديد نبنيه معاً.
وقال برينك وهارمز في العمود التحريري:إذا كانت بريطانيا ذكية، فإنها ستبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي، لأنها ستدرك أن مستقبل الغرب على المحك، وان بريطانيا ليست قوة عالمية من تلقاء نفسها، وأنها ستفقد الكثير ولن تجني شيئاً سوى فترة وجيزة من الشعور بالكبرياء.
في حين هدد وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله بريطانيا بأنها لا تملك الفرصة أبداً للانضمام إلى اتفاق مماثل بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا والنرويج، اللتين تتمتعان ببعض فوائض السوق الأوروبية الموحدة من دون أن تكونا عضوين في المنظومة القارية.
محذرا من رد الفعل الشعبية في الدول الأعضاء على الخروج المحتمل لبريطانيا من التكتل الأوروبي، حيث إنه يجب على الاتحاد الأوروبي وضع عملية التكامل في حالة «الانتظار»، والاستعداد لمخاطر الردود الشعبية التي قد تشهدها الأعضاء الأخرى.
«المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية» (DIW) حذر بدوره من أن قرار المغادرة، يمكن أن يؤدي إلى تأثير «عامل الدومينو» في الدول الأخرى.
وقال رئيس المعهد مارسيل فراتسشير إن استفتاءات مماثلة قد تظهر على السطح في دول مثل إيطاليا أو فرنسا؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى مخاطر أكبر بكثير من حالة عدم اليقين الذي يسببه ما يسمى بالـBrexit، مبينا ايضاً عدداً من العوامل الخطيرة التي من الممكن أن تعرّض الاقتصاد الاوروبي إلى ركود آخر، تماماً مثلما حدث خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008 و2009.
يجدر بالذكر أنه سيتم التصويت على قرار الخروج في 23 من الشهر الجاري، وأنه في حال كانت النتائج لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد، فإن هذا لن يحدث مباشرة وإنما سيستغرق الأمر على الأقل عامين، تستمر خلالهما بريطانيا في تطبيق قواعد الاتحاد.
لكن الرحيل سيؤثر في مستقبل المملكة المتحدة، التي تملك خامس أكبر اقتصاد في العالم لسنوات مقبلة، وستبدأ عملية طلاق طويلة ومعقّدة، يبدو أن تداعياتها على الاتحاد الأوروبي لن تكون حميدة، بالنسبة لمؤيدي التكامل الأوروبي، وعلى رأسهم واشنطن.