حينها تصدى أحد سائقي حافلات النقل الجماعية لحظة اختراق البعض لنظام الدور بطريقة فوضوية لا تليق بالانضباط المعهود في هذا البلد حينها قال السائق عبارته الشهيرة«إذا كانت ألمانيا قد خسرت الحرب علينا ألا نخسر النظام»ولم يسمح لمن أراد الفوضى أن يصعد الحافلة إلا بدوره وكان له ما أراد ..
هذا يعني أن ثقافة الانضباط واحترام القوانين وتطبيق مبادئ ومفاهيم النظام العام لأي بلد هو مسؤولية كل مواطن وليس الدولة ومؤسساتها فقط ،ولاشك أن هذه المسؤولية تتضاعف عندما تواجه البلاد ظروفاً عدوانية وحرباً اقتصادية وتراجعا في مفاصل الحياة المعتادة كما حصل ويحصل لبلادنا منذ خمس سنوات ويزيد .
من الواجب
لذلك من واجب الدولة أن تضاعف رقابتها وتحاسب بشدة من حاول التلاعب ومازال يعبث ويستغل إمكانات الدولة ويهدر ما كان متوفرا من إنتاج احتياطي كبير من خلال التهريب والاحتكار تارة ،واستبدال كثير من السلع السورية ذات الجودة العالية بأخرى أقل جودة وهي مهربة عبر الحدود مع تركيا ولبنان والأردن ،إضافة إلى إغراق السوق السورية بسلع ومنتجات الدول العدوة لتنافس وتؤثر سلبا على صناعتنا الناشئة والمتجذرة وإنتاجنا الموثوق والمضمون حسب المواصفات القياسية السورية .
كلنا نذكر في هذا الإطار كيف أغرقت البضاعة التركية أسواق البلد بشكل عام ودمشق بشكل خاص قبل العام 2011 أي من عام 2005إلى 2010 ذروة «الطحش»والحضور اللافت للسلع والمنتجات التركية من ألبسة وأغذية مفترشة في الشوارع والزوايا الرئيسة اللافتة وعلى البسطات المختلفة الأشكال والألوان سواء في الصالحية أو الجسر الأبيض وباب توما وغيرها حيث كانت تباع قطع الألبسة بنصف القيمة بالنسبة لليرة السورية مما يجعل إثارة الشهية لشرائها أمراً محتماً طالما المواطن لايهمه سوى التوفير وشراء الأرخص ، دون أن يدرك حجم اللعبة التي كانت ترسم لهذا البلد شعباً ومؤسسات في هكذا إغراق للبضاعة التركية الرخيصة والمنافسة في نفس الوقت ..علما أنها ليست أجود وأجمل تصميماً من أصناف وتشكيلات الألبسة السورية .حتى من ناحية الأسعار ما كان متوفراً يناسب جيوب ودخول كل شرائح المجتمع بكل فئاته .
خفايا الخيوط
دون نسيان بالتأكيد رواج تجارة الشنطة في تلك المرحلة وهذه كان يعمل بها جيش من النساء والرجال في الظل داخل وخارج الحدود ليتبين فيما بعد أن قطر المملكة الممولة للإرهاب هي من كانت تقف وراء دعم حضور السلع التركية في سورية وهي من كانت تدفع الفارق السعري للتجار الأتراك بالتعاون مع الخونة والعملاء في الداخل لضرب الاقتصاد والصناعة السورية وليس منافستها فقط في هذا الجانب .أيضا تبين فيما بعد كيف قامت السعودية في عام 2005 وما بعده بتحريض أبناء وفلاحي الجزيرة في الرقة ودير الزور بعدم زراعة القمح بتقييم إغراءات مالية ضخمة لشراء النفوس والذمم وقد نجحت في جزء من ذلك ، لكن سرعان ما تنبهت الحكومة و الدولة لهذه التفاصيل الخطيرة ووضعت حدا لها ..
لكن من المفيد قوله من باب الأمانة والاعتراف بالخطأ أن بعض السياسات الحكومية وخاصة حكومة عبد الله الدردري وما تلاها من حكومات لم تكن على مستوى النهوض التنموي الذي كان مقررا في الخطط التنموية في المحافظات الشرقية وكذلك في مختلف الريف السوري ،حين شهدت البلاد موجات الجفاف لأعوام متلاحقة ما جعل حزام الفقر يتسع والعجز عن إتمام الروزنامة الزراعية المعهودة في المناطق الشرقية يضغط على الأعصاب ، لنشهد حينها موجات النزوح القصوى من تلك المناطق ، تأتي وتستقر في حزام بشري عشوائي في محيط مدينة دمشق وريفها ، وتظهر تداعياته السلبية فيما بعد ..وأن البعد الزراعي لم يعد أولوية .
ذات دلالة
ما تقدم هو غيض من فيض بالتأكيد ومجرد إشارات ذات دلالة على أن سورية كانت في عين العاصفة ومازالت تقاوم الرياح والأعاصير الهوجاء الحارقة والملتهبة المنبعثة من كل الاتجاهات .لذلك من الواجب والضرورة بمكان العودة لقواعد وضرورات دعم القطاع العام والخاص الوطني وأن تضع الدولة يدها على كل شيء ، وكل شيء يجب أن يمرر تحت مجهر المصلحة الوطنية والبعد الأمني الذي يحفظ ماء الوجه والكرامة والسيادة وسلامة الغذاء ، فقد آن الأوان لوضع حد للأيدي الخفية التي تساعد العدو وهي معروفة على تدمير الاقتصاد والصناعة وتساهم في إفقار الشعب من خلال الغش والتهريب والاحتكار كما أسلفنا . بعدما عشش الفساد في عقول ورؤوس هؤلاء ، إذ لم يعد هناك من مستور تحت الطاولة بل أصبح كل شيء يمارس بالعلن وعلى «عينك ياشعب وياحكومة» ، حتى أصبحت الخيانة وجهة نظر عند ناقصي الفهم والضمير و عبدة وعبيد المال .
إن عرض هذه الوقائع ومنها «حادثة ألمانيا «إنما للعبرة فالمواطن سواء أكان مسؤولا أم فردا عاديا لكل منهم دوره في الحفاظ على هيبة الدولة من خلال تنفيذ القرارات الصارمة بوجه كل من يريد أن يتلاعب بمقدرات الشعب والوطن على جميع المستويات والتي استغرقت عشرات السنين من الشقاء والتعب والتقشف والإصرار لبنائها وتأمينها .. فهل يعاد النظر بكل شيء..إنه الوقت المناسب .