تبدو جزءاً من بروباغندا ساذجة لا تريد ولا ترغب في النظر إلى الواقع بموضوعية وحيادية، وأصحاب هذه البروباغندا وكذلك مثيرو هذه الثرثرة الفارغة بلا شك هم جزء من جوقة التآمر والدعم الدولي للإرهاب وجزء أساسي من المستثمرين فيه لغايات دنيئة.
بداية يمكن القول إن الحضور الروسي في سورية ينسجم كلياً مع القانون الدولي والعلاقات بين الدول وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، لأنه جاء تلبية لدعوة مباشرة وعلنية من الحكومة الشرعية والوحيدة المنتخبة في سورية، وهو حضور دعت إليه الحاجة الماسة لتطويق وإنهاء خطر الإرهابي الذي يهدد أمن واستقرار العالم باعتراف منظمة الأمم المتحدة والكثير من الدول التي طالها إرهاب الجماعات التكفيرية التي تقاتل في سورية والعراق وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي.
فما هي مبررات الحضور العسكري الروسي إلى سورية وما هي ضرورات هذا التدخل ولماذا أثيرت كل هذه الضجة الإعلامية حول الغارات الروسية على مواقع الإرهاب منذ الساعات الأولى، في حين أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد داعش دخل عامه الثاني دون أي يلقى كل هذا الاهتمام أو يتعرض لمثل هذا الهجوم بالرغم من فشله الذريع في إضعاف داعش أو وقف تمدده ونشاطه على كل الجبهات..؟!
لا شك بأن هناك مبررات كثيرة للحضور العسكري في سورية على رأسها طلب الحكومة السورية لهذا الحضور من أجل مساعدتها في ضرب الإرهاب ومنع تمدده باعتباره خطراً عالمياً، في حين أن حضور الآخرين ومنهم واشنطن وحلفاؤها وأدواتها في المنطقة يعتبر تدخلاً عسكرياً غير شرعي كونه لم يأخذ موافقة الأمم المتحدة ولم يجر بطلب سوري ولم ينسق ضرباته الجوية مع القوات المسلحة السورية، والأخطر من ذلك أنه ساهم بتقوية الإرهابيين بدل أن يضعفهم وساعدهم على توسيع رقعة انتشارهم ونفوذهم جغرافياً وفشل في التقليل من خطرهم على مستوى العالم.
القيادة الروسية أدركت أيضا أن جزءاً لا بأس به من الإرهابيين الذين يقاتلون في سورية جاؤوا من دول تابعة للاتحاد الروسي كالشيشان وداغستان وغيرها وهم يشكلون خطراً محتملاً لأمن واستقرار روسيا عندما تنتهي مهمتهم في سورية وحال عودتهم إلى بلادهم، وذلك بالنظر إلى استعداد نظام أردوغان الإرهابي لمساعدتهم في الاتجاهين، ولذلك فإن إمكانية عودتهم إلى روسيا قائمة ومحتملة مع اكتسابهم خبرات واسعة واستثنائية في مجالات العنف والفوضى والإرهاب.
وأما ضرورات الحضور الروسي إلى سورية فهي كثيرة ويأتي في مقدمتها الحفاظ على مبدأ سيادة واستقلال الدول وعدم جواز التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، وعدم السماح بتغيير أنظمتها الشرعية بالقوة خلافاً لإرادة شعوبها كما جرى في يوغسلافيا والعراق وليبيا وساحل العاج وأوكرانيا وكما يجري اليوم في سورية واليمن، ووضع حد لأطماع واشنطن وحلفائها وأدواتها في منطقة مهمة وحساسة كمنطقتنا، إذ ليس هناك أي ضمانة بأن يتحول التحالف الأميركي المزعوم ضد داعش إلى تحالف عدواني ضد الدولة السورية متى دقت ساعة صفر المتآمرين، وما جرى ضد ليبيا من استغلال غربي لقرار صادر عن مجلس الأمن عام 2011 وإسقاط الحكومة الشرعية في ليبيا يعطي صورة واضحة عن طبيعة النوايا العدوانية التي يتحلى بها الغرب.
ومن الضرورات أيضاً الحاجة لحل سلمي للأزمة في سورية ووقف الحرب الارهابية فيها بعد عدة محاولات أممية أفشلها محور التآمر والعدوان بدعمه المباشر واللامحدود للتنظيمات الإرهابية التي تقف عثرة في طريق توافق السوريين على حل يلبي حاجاتهم وتطلعاتهم، فلكل دولة من دول محور التآمر والعدوان ـ كما هو معروف ـ فصيل أو تنظيم إرهابي يأتمر بإمرتها وينفذ أجندتها على الأرض إرهاباً وقتلاً وتخريباً، وهؤلاء جميعاً رغم اختلاف تسمياتهم ومسمياتهم يشكلون استكمالا طبيعياً لتنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين.
وأمام كل هذه المعطيات تبدو حملات الولولة الصادرة عما يسمى المعارضة السورية في الخارج تجاه الحضور الروسي إلى سورية مجرد زهايمر سياسي وضرب من الفجور والتوظيف الإعلامي الرخيص، فقبل عامين بحّت أصوات هؤلاء وهم يستغيثون بأميركا والغرب كي يضربوا سورية وشعبها وجيشها، وذهب بعضهم في عمالته انحطاطه حد طلب المساعدة من الكيان الصهيوني المجرم كي يساهم في العدوان على بلدهم، فهل يحق لهؤلاء بعد اليوم إبداء أي رأي أو انتقاد الحضور الروسي الذي يلبي مطالب السوريين في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه ووضع حد لأطماع وأحقاد وتدخلات الدول التي تدعم الارهاب كالسعودية وتركيا وقطر ومن خلفها واشنطن وباريس وغيرها من عواصم العدوان..؟!