خدمة لمصالحها أولاً والتغطية على التدخل الإسرائيلي الذي ظهر في الفترة الأخيرة على أن له باعاً طويلاًَ في هذا التعقيد وتوتير الأجواء, وما افتتاح مكتب في (إسرائيل) لحركة المتمردين إلا خير دليل على ذلك.
والتدخل الإسرائيلي في السودان لا يمثل محوراً ثانوياً في جدول اهتمامات هذا الكيان بل هو مرتكز حيوي لأنشطة المخابرات والدفاع والخارجية والأسباب في ذلك كثيرة أولها إشراف السودان على البحر الأحمر بحدود طولها 309 كيلو مترات وهذا ما يوافق السعي الإسرائيلي لمشاركة العرب بسواحل البحر المذكور بل الاستحواذ على السواحل الشرقية القريبة من المضائق وانتهاج سياسة نصف المحيط أو الضلع الاستراتيجي الثالث والسيطرة على المياه النقية ونظرية التخوم وكلها أسماء لاستراتيجية صهيونية واحدة مفادها إحاطة الدول العربية بطوق من العلاقات تستطيع التحرك من خلاله كيفما تشاء وثانيها اتصال القطر العربي الشقيق بدول القرن الأفريقي عبر روابط تاريخية وعرقية مهمة بالإضافة للعامل الجغرافي ومن ثم فإن السيطرة عليه وتحجيم نفوذه يخدم إسرائىل التي تفكر بشتى الوسائل بالتحكم بمضيق باب المندب الذي يمر من خلاله ما يقرب من ثلث إنتاج العالم من النفط.
وبما أن أميركا لا تختلف عن إسرائيل في استراتيجية التعامل مع السودان بل توشك أن تكون أداة طيعة لقادة اللوبي الصهيوني الذي يروج لنفسه بأنه حامي حمى المصالح الأميركية في المنطقة وعّراب الديمقراطية والمتنطح لصد دول المواجهة الرافضة للمشروع الأميركي والإسرائيلي المشترك كان لا بد من قيام الإدارة الأميركية بحملة من الضغوطات ترافق آخرها مع وصول المبعوث الصيني ليوكيوجين والمبعوث الأميركي ريتشارد وليامسون إلى الخرطوم لتحريك تسوية سياسية في أزمة دارفور تتوافق والأهداف الأميركية الرامية للسيطرة على هذا البلد ينتج عنها تطبيع للعلاقات ثم التدخل في شؤونه شيئاً فشيئاً لإرضاء حلفائها.
وبالعودة إلى العقود الماضية وتحديداً في حرب تشرين 1973 عندما أغلقت القوات البحرية المصرية باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية ما أدى لشل ميناء إيلات الإسرائيلي الأمر الذي دفع الصهاينة للإسراع بتوطيد علاقاتهم مع أثيوبيا وإقامة قاعدة عسكرية في جزيرة دهلك عام 1975 ثم جزر حالب وفاطمة وأرجنيل وودميرا على الساحل الغربي.
وحينما ناصر السودان والدول العربية قيام الثورة الارتيرية هرعت (إسرائيل) لإقامة علاقات استراتيجية مع الدولة الوليدة حال دون انضمامها للجامعة العربية وفاقمت من وجودها العسكري على الساحل الذي آل لارتيريا وشجعتها لاحتلال جزيرة حنيش اليمنية المطلة على المضيق عام ,1996 وبالوكالة عن إسرائيل لعبت أرتيريا دوراً في استنزاف السودان عبر احتضان حركة التمرد الجنوبية والتمرد الشمالية والفصائل العسكرية لشرق السودان وتسهيل احتلال المناطق الحدودية ثم أخيراً دعم ومساندة حركات التمرد في دارفور من عدة جوانب سواء كان من خلال وجودها النشط في أريتريا أو من خلال ما اكتشفته المخابرات الأردنية عند توقيف الابن الأصغر لمدير الموساد السابق داني ياتوم وأدلى بمعلومات كاملة عن تورطه مع شيمون ناور صاحب أكبر شركة استيراد وتصدير إسرائيلية في تهريب الأسلحة لاقليم دارفور ومساعدة بعض الأفراد من حركة التمرد في الاقليم السوداني بتلقي التدريبات العسكرية في إسرائيل بصفة رسمية, فالواضح أنه أينما تظهر بؤر التوتر في أي دولة عربية تظهر أيد إسرائيلية ظاهرة للعيان أو خفية لتحريك أو مفاقمة هذا التوتر أو التصعيد لتغيير معادلة النفوذ لصالح استراتيجيتها وتحقيق مكاسب ليس بالإمكان تحقيقها فيما لو بقيت بعيدة عن مراكز الصراع الدائرة, وفيما يخص السودان فإن الخطة الأساسية لإسرائيل تقسيم السودان لدويلات ضعيفة متناحرة تستجدي منها الدعم والمساندة والتمويل وتكون خصماً للأمة الإسلامية وسنداً لأطماع المستعمرين , وبالنتيجة السيطرة على خيرات السودان واستهلاك موارده وخيراته ليتم إغراقه في هموم مصطنعة.