تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الاستيطان الصهيوني التهويد المنظم

شؤون سياسية
الاربعاء 12/3/2008
توفيق جراد*

في إطار استعدادات العدو الصهيوني للاحتفال بالذكرى الستين لاغتصاب فلسطين, صادقت حكومة العدو الصهيوني على خطة استيطانية غايتها (تهويد البلدة القديمة) من القدس التي احتلها العدو في حرب حزيران ,1967 في إطار ما عرف في الأدبيات السياسية عند الإسرائيليين (حرب التهويد الثانية لفلسطين),

إشارة إلى أن حرب عام 1948 هي (حرب التهويد الأولى), واقتضى التهويد في المرتين اعتماد سياسة (تهويد المكان), بمعنى إعطاء قرية أو بلدة أو مدينة اسماً (عبرياً). وفي ذلك محاولة, من باب الخريطة الإدراكية عند المستوطن اليهودي, إقناع القادمين الجدد من اليهود إلى فلسطين بأن كل شيء لم يتغير حتى الأسماء ظلت كما هي. وفي ذلك محاولة ل (إنتاج الإسرائيلي) باعتباره صاحب البلاد, في وعي من بقي وطنه ولم يطرد,أو في وعي من أفلح في العودة أو حاول العودة من الفلسطينيين. والغاية من كل هذا توفير المصل الواقي للرواية الصهيونية. ومن منظور ثقافي تبدو لحظة تخريب الثقافة الفلسطينية هي لحظة ميلاد وعي إسرائيلي جديد, مؤسس ليس فقط على محو وجود العرب وإنما أيضاً على تدمير ثقافتهم. وبعد تخريب الثقافة يمكن إنتاج الادعاء الذي بموجبه لم تكن هذه الثقافة قائمة البتة, و(الاطمئنان) إلى أنه ليس في وسع أي شيء أن يناقض هذا المفهوم الملفق أو يفنده (انظر: انطوان شلحت- فصول من محو عروبة فلسطين- المشهد الإسرائيلي 18/7/2007).‏

وكان العدو الصهيوني قد أعلن ضم القدس يوم ال 28 حزيران 1967 وسماها »القدس الموحدة), إلى أن كان الثلاثين من تموز 1980 فأعلنها »عاصمة أبدية وموحدة) لكيانه, بعد أن وسع مساحتها لتصبح (138) كيلو متراً مربعاً.ومنذ ذلك الحين ومحاولات »تهويد المدينة) مستمرة بلا ملل أو كلل.‏

والمخطط البادي أمام عيون المتابعين لشؤون القدس يهدف في غضون ست سنوات من الآن. وقد رصد له مليار دولار, إلى السيطرة على المسجد الأقصى المبارك وما يدخل في اختصاص إدارة الأوقاف الإسلامية بهدف نزع صلاحياتها في المسجد بتعيين إدارة ثلاثية مشتركة للأماكن المقدسة فيها. وبحكم التجربة فإن هذه الإدارة لن تكون إلا احادية. وإذ نشير إلى وزارة الأديان الإسرائيلية فليس فيها غير يهودي (مسلماً كان أو مسيحياً), ومع ذلك فهي التي تتولى الإشراف على كل ما يدخل في اختصاص أي »وزارة للأوقاف). وعندما عين مجلس للإشراف على دور العبادة العائدة لغير اليهود في مدينة يافا, كان المجلس برئاسة يهودي إسرائيلي.‏

الهدف من هذا الإجراء في حال تطبيقه, أن يطبق على الأقصى, في الحد الأدنى, ما طبق على »الحرم الإبراهيمي) في مدينة الخليل بموجب »اتفاق الخليل) 16 كانون الثاني 1997 المبرم بين السلطة الفلسطينية آنذاك والسلطات الإسرائيلية بإشراف أميركي, الأمر الذي يعني أنه سوف يسمح للمصلين الفلسطينيين أداء الفريضة فيه في أيام معينة من الأسبوع, لتكون الأيام الأخرى خاصة باليهود, ما يعني ضمناً أن اليهود يملكون حقاً بالقيام بأعمال الحفر داخل الحرم وفي أسفله بحثاً عن أثر يقول »كان هناك ذات يوم هيكل اسمه هيكل سليمان). وهذا زعم رفضه البروفيسور زئيف هيرتسوغ أستاذ علم الآثار في جامعة تل أبيب, الذي أعلن في دراسة نشرت يوم 28 تشرين الثاني 1999: »لقد أمضى الآثاريون سبعين سنة وهم يبحثون عن أثر في فلسطين يقول إنه كان هناك يهود ولم يعثروا. إننا نعلم هذه الحقيقة, ولو علم الجمهور أننا لم ندخل هذه البلاد, ولم نخرج من مصر ولم نصعد إليها, لكانت كارثة), كما رفضه الدكتور كمال صليبي في كتابه »البحث عن يسوع - ص 35) وهو يقرأ في وثائق رومانية, وأخرى خلفها المؤرخ اليوناني هيرودوتس, وأخرى استناداً للمؤرخ اليهودي يوسيفوس المتوفى عام 100 للميلاد. ولكيلا يكون الاتفاق الذي قسم مدينة الخليل إلى قسمين H1 و H2 قاصراً على المدينة وحدها أدخلت في سياق نصوصه بنود تقول: إن القواعد العسكرية (المعسكرات) التي أقيمت في الضفة الغربية إبان الانتداب البريطاني ومن بعده الإدارة الأردنية, تعود ملكيتها لإسرائيل. ما وفر وبشكل مقنن أرضاً جديدة لإقامة المستوطنات في مناطق تعتبر ذات موقع »استراتيجي) كموقع ال »نيفي يعقوب) = »النبي يعقوب) الكائن شمال مدينة القدس ويتحكم بالطريق المؤدية إلى مدينة رام الله.‏

وأكد تقرير صادر عن »الإدارة المدنية) في الضفة الغربية بعد عام 1979 أن أكثر من ثلث المستوطنات في الضفة الغربية, والتي يسكنها عشرات آلاف المستوطنين, مقامة منذ سنين على أراض فلسطينية خاصة كانت قد سيطرت عليها قوات الاحتلال بموجب أوامر عسكرية مؤقتة بذريعة »احتياجات أمنية). ويأتي ضمن هذه المستوطنات »ارينيل) (إلى الشمال من رام الله على الطريق المؤدية إلى نابلس), و»كريات أرباع) (المجاورة لمدينة الخليل) و »إفرات) (القريبة من بيت لحم). وبحسب قائمة أعدتها منظمة »سلام الآن) في شهر تشرين الأول 2006 فإن 44 مستوطنة في الضفة الغربية من بين 120 مستوطنة, تقوم على أراض فلسطينية خاصة. ومن بين هذه المستوطنات ما يعتبر »عواصم ايديولوجية) مثل »عوفرا) إلى الشرق من رام الله, و»بيت إيل) إلى الشمال منها, و»إيلون موريه), أول مستوطنة أقيمت في الضفة الغربية بعد حرب عام 1967 لتفصل نابلس عن رام الله.‏

وفيما يشير ياكوف الدار في كتابه »أسياد الأرض) Lords of the land إلى أن الاستيطان في الضفة الغربية أشرف عليه رؤساء الحكومات الإسرائيلية بدون استثناء, وإن أبدى شمعون بيريز تذمراً من المستوطنين إلا أن إسرائيل أنفقت على الاستيطان والمستوطنين كل ما تلقته من مساعدات أميركية منذ عام 1967 وحتى أواسط التسعينيات. ومرد الإنفاق على المستوطنين يكمن في أن قادة المستوطنين, وقادة الوحدات العسكرية العاملة في الضفة هم من المستوطنين. للاستيطان أكثر من غاية, وإذا كان الاستيطان مجسداً لما يسمى العودة إلى »أرض الميعاد), فإن للاستيطان غاية ربما كانت أهم من العودة, وهي رسم ما يسمى »الحدود الآمنة), التي أصبحت بعد حرب حزيران أحد مكونات »نظرية الأمن الإسرائيلية) (إسحاق رابين- هآرتس 21/2/1976), أما هدف الاستيطان في القدس فهو كما قال رابين »المحافظة على الأغلبية اليهودية فيها), وأن المستوطنات التي أقيمت خارج الخط الأخضر تهدف إلى »تعزيز خطوط المواجهة) (هتسوفيه 7/1/1977) وذلك في إطار »استيطان استراتيجي مبرمج), على حد قول يغال ألون. وبلغ عدد المستوطنات التي أقيمت حتى نهاية حكم المعراخ عام 1977 ستا وسبعين مستوطنة إضافة إلى المستوطنات التي أقامتها منظمة أطلقت على نفسها اسم »حركة من أجل أرض إسرائيل الكاملة), وضمت في صفوفها عدداً من الكتَّاب السياسيين والعسكريين وأساتذة جامعات, وكان شعارها »ضم الضفة والقطاع), إضافة إلى »كتلة أمونيم) التي ظهرت بعد حرب تشرين.‏

ويقدر عاموس ألون في دراسة نشرها في مجلة »نيويورك ريفيو اوف بوكس- عدد 55), عدد المستوطنات القائمة الآن في الضفة الغربية ب 226 مستوطنة تضم نحو 300 ألف مستوطن, ولا يدخل في عداد هؤلاء المستوطنين الذين يقيمون في القطاع الشرقي من القدس. بعض المستوطنات الأكبر حجماً ومساحة والأكثر سكاناً مثل معاليه ادوميم أصبحت جزءاً من القدس التي يخطط أن تكون مساحتها 324 ميلاًً مربعاً (استراتيجية الاستيطان الصهيوني ص 235), ويشير عاموس ألون في دراسته التي حملت عنوان »أولمرت وإسرائيل: التغيير!) إلى أن أولمرت تعهد قبل مؤتمر أنابوليس بتجميد الاستيطان, لكن هذا التعهد خاوي المعنى نظراً لاستمرار الحكومة الإسرائيلية في توسيع عشر مستوطنات قائمة في الضفة الغربية. وكانت وزارة الإسكان الإسرائيلية أعلنت في شهر كانون الأول الماضي عن مشروع استيطاني آخر هو »الأكبر منذ عام 1967), في »عطاروت) (تحريفاً للاسم العربي لقرية »عطارة)), فيما البناء مستمر في جبل أبو غنيم (هار حوما) والذي بات ضاحية من ضواحي القدس الكبرى, لتكون مجموعة المستوطنات المقامة في نطاق القدس كالسوار الذي يحيط بالمعصم.‏

* باحث فلسطيني‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية