هي منحى صعب يمثل الهبوط من القمة إلى النهاية فهي للكثيرين بداية النهاية وربما لاتأتي خالية من أمراض وأوهان تضعف أجساد من هزمتهم وانتزعت منهم قوتهم وجاذبيتهم لكن أن تجد هذا الهاجس عند شباب وهم في أزهى مراحل العمر فهذا لابد أن يثير العجب والتساؤل في آن خاصة أن هذه الشريحة تشكل العمود الفقري لأي تقدم وتطور, منهم الذين يصنعون المستقبل ويرسمون معالم التحضر وينفذون خطط البناء. لنطرح السؤال هنا كيف ينظر شبابنا اليوم لهذه المرحلة وإذا كانت بالنسبة لهم هاجساً مؤرقاً للتفكير فهل من الممكن أن تكون محرضاً للمزيد من العطاء أم أنها ستقف حائلاً بين الشباب والنجاح خاصة إذا سيطرت عليهم فكرة أن الكهولة هي نهاية المطاف فلما العمل والتعب وهي آتية لامحال بكل ماتحمله في طياتها من عجز وضعف وأمراض.
حاضر للسعي والإبداع
سامر العمر 22 عاماً طالب سنة رابعة أدب إنكليزي:
لا أحب التكلم عن هذه المرحلة فهي بالنسبة لي في طي النسيان في الوقت الحاضر فأنا أعيش حاضري فقط وهو حاضر الإبداع والسعي والجد في العمل ليكون ذخيرة عند الوصول إليها ولا أنكر أنني عندما أرى عجوزاً وبيده عكازته ويطلب المساعدة من أحد لكي يساعده في عبور الشارع مثلاً أو يسانده بالسير أحزن من أعماق قلبي لما وصلت إليه حالته فكل ماقام به من إنجازات في شبابه لم يحمه من هذا المصير لذا عندما تخطر فكرة الكهولة على بالي ولو لثوانٍ معدودة وبأنني يوماً ما سأصبح مثله دائماً أمحوها من تفكيري بسرعة.
ولا أعرف لماذا هل الخوف برأيكم مع العلم أن جدتي وهي في الخامسة والسبعين من العمر مازالت بكامل قواها ولا تطلب المساعدة من أحد.
أما علا سليم 19 عاماً فأكدت على أن هذه المرحلة كغيرها من مراحل العمر لها سيئاتها وإيجابياتها فتقول هل سنعيش عمرنا وعمر غيرنا وهذه المرحلة لابد أن تأتي وأنا لاأهتم بالتفكير بها كغيري بل سأستقبلها بكل رحابة صدر لأنني حينها سأكون قد عشت أزهى فترة ذهبية يمر بها كل شاب.. فكل مرحلة لها مذاقها الطيب والمر وسيئاتها وإيجابياتها فلمَ علينا أن ننظر إليها وكأنها نهاية الحياة فهل نعرف ماكتبه الله لنا حيث من الممكن أن تنتهي حياتنا بعد ثوان أو ساعات من الآن وأنا أنظر وبكل أسف إلى الشاب الذي يرى مرحلة الشيخوخة على أنها مرحلة اليأس والخوف والعزلة وبأنه شخص معقد ولايعرف كيف يستمتع بحياته التي وهبها الله له.
أما مهند الحموي 20 عاماً فكان له رأي مخالف تماماً عن رأي علا حيث قال: لا أحب الشيخوخة ولاالتكلم عنها لأنها تذكرني بالاقتراب من نهاية الحياة أي الموت وكذلك لسبب آخر أخشى من الأمراض المرافقة لها خاصة النسيان والضياع والإصابة بالخرف حيث أن المسنين في هذه المرحلة يفقدون القدرة والتركيز على الأشياء ويعود الكهل وكأنه طفل صغير لايستطيع التحكم بحياته وإدارتها كما يريد.
مراحل لابد أن نعيشها!
أما سهى عبد الحميد 18 عاماً تقول أحب أن أبقى شابة وعندما أحس بأنني سأقطع هذه المرحلة سألجأ إلى عمليات التجميل وأعتقد أنها ستبقيني شابة إلى حد لابأس به فعندما أرى امرأة عجوزاً تحتاج إلى مساعدة وتبدو علامات الكبر والكهولة مرتسمة على جسدها من تجاعيد وابيضاض وانحناءة ظهر وخاصة إذا كانت تعيش بمفردها وليس هناك من يساعدها في قضاء حاجاتها, ادعو الله وأعرف أن ذلك كفر أن تنتهي حياتي وأنا في عز الشباب وألا أصل إلى هذه المرحلة. لذا أنا أخاف منها وأعرف أنه لايوجد أي مهرب من تفاديها وهي آتية لامحالة.
وأخيراً سارة فتاة في السابعة عشرة من العمر لها رأي يدل على أنها اجتازت الخامسة والعشرين ومافوق حيث قالت: أنا أعيش الحياة بواقعية واقتناع بما كتب الله لنا فللعمر مراحل ثلاث يجب أن نقنع بها ونعيشها وبأيدينا نسعد أو نحزن فكما اجتزنا مرحلة الطفولة إلى الشباب سنجتازها أيضاً إلى الكهولة, وإن كانت روح المرح والسعادة والشباب مسيطرة علينا لن يكون لهذه المرحلة تأثيرات سلبية بل على العكس علينا كشباب استثمار أيام الشباب بصورة ذكية فاعلة لأن من يفرط في شبابه يفرط في حياته كلها ومن لم يتحمل المسؤولية في أيام شبابه لن يتحملها طيلة حياته وسيكون لمرحلة الشيخوخة وقع سلبي وسيىء على مجرى حياته.
والآن وأمام هذه المفارقات في النظر إلى مرحلة الكهولة من قبل الشباب لابد من أن يكون لأهل الاختصاص رأي حيث حدثنا د. ثائر محفوض اختصاصي علم اجتماع عن هاجس الشيخوخة وتخوف الشباب منها فقال:
من الخوف إلى صناعة المستقبل
للحياة مراحل ثلاث يمر بها كل إنسان بداية بمرحلة الطفولة وهي مرحلة الضعف والاعتماد الكلي على الوالدين ومرحلة الشباب وهي مرحلة القوة والصحة والإنتاج ولتأتي المرحلة الثالثة وهي الشيخوخة وهي المرحلة الأخيرة التي يمر بها الإنسان والتي أطلق عليها مرحلة ( خريف العمر ) ويرى فيها الكثيرون أنها مرحلة الضعف والعجز.. والخوف من الشيخوخة من قبل معظم الشباب شيء طبيعي وشعور بديهي لأنه من الصعب جداً تقبل وبسهولة فكرة الانتقال من مرحلة القوة والمقدرة والحيوية التي تؤهل الشاب للقيام بكل مايترتب عليه من أعمال سواء عقلية أو جسدية إلى مرحلة تتضاءل فيها قوة الإنسان الجسدية والفكرية ومن ثم التخبط في متاهات الأمراض بأنواعها المختلفة وأشدها أمراض الخرف والضياع وفقدان القدرة والتركيز على كثير من الأمور.. بالإضافة إلى ذلك هناك بعض التصورات الخاطئة بدأت ترتسم في مخيلة الشباب تدفعهم للتفكير وتزرع الخوف في نفوسهم من هذه المرحلة أبرزها الخوف من الوحدة التي تأتي من إهمال المحيطين بالإنسان المسن والتقاعس عن تقديم المساعدة له للمضي قدماً بحياته وخاصة إذا كان لهذا المسن العديد من الأبناء الذين تعب وشقي من أجلهم وهو في عز شبابه وعندما كبر لم يجد أحداً يمد له يد العون منهم.
وأخيراً أود أن أقول لجيل شباب اليوم: إن من لايعمل بجد ومن لايدرس برغبة ومن لايعطي بسخاء ومن لايحمل المسؤولية بقوة أيام شبابه لن يستطيع أن ينجز ذلك أيام شيخوخته وعجزه فالفرق بين الفشل والنجاح هو الفرق بين التفريط والاستثمار فالفشل مرهون بالتفريط بأيام القوة الجسدية والعقلية أما النجاح فمصدره استثمار أيام الشباب بصورة تكون ذخراً ومساعداً له في أيام كهولته لذا هاجس الخوف من الشيخوخة عند الشاب يجب أن يستخدم كحافزٍ ورادع قوي لامتلاك كل دقيقة في حياة شبابه بالجد والسعي وصنع المستقبل.