ويرون في التغيير عصا سحرية تستل الداء من مكمنه مطوّحة به الى حيث ألقت أمّ قشعم.
تراجع الكثير من الدوائر الحكومية فتشاهد بيروقراطية اعتاد الموظفون المشبعون بالبخار (العثماني) على استنشاقها, وإذا أتيحت لك الفرصة وكنت صاحب حظوة في الظفر بلقاء المدير, وتكرم بالاجابة على سؤالك الحائر المستفسر عن وجود هذه الحالة المترهلة من البيروقراطية, فإنه لا يجد أمامه إلا ذلك التبرير المضحك الذي اعتدنا سماعه كل يوم: نعم هناك ترهل وتقصير وضعف في الأداء وبطء في الانجاز ولكن ما حيلتي فالعين بصيرة واليد قصيرة وسبب قصر العين أن البديل الذي يمكن أن يتصدى لمعالجة الخطأ غائب, غياباً مفتوحاً في الزمان, ولم يترك لنا عنوانه وما أصعب أن تهوى بديلاً ليس له أرض أو وطن أو عنوان!.
تخرج من غرفة المدير العتيد وأنت غير مقتنع بما ساقه من حجة تبدو باهتة وقد خطرت في ثوبها المرقع,وكل رقعة في هذا الثوب تخفي وراءها حكاية إهمال متعمد, وتعقيد لأمور المواطنين, وتراخ موجع في التعامل مع قضاياهم ومشكلاتهم الحياتية اليومية.
تذهب الى مديرية الشؤون المدنية لتستفسر عن حركة الولادات لا الى مكتب دفن الموتى لتلمّ بحركة الوفيات, فتفهم أن النساء في بلدنا تضع مواليد جديدة كل يوم, وتستنتج أن النسوة لم تصب بالعقم المؤقت أو الدائم فتفرح لذلك فرحاً كبيراً وتستبشر خيراً.
وإذا خامرك الشك تذهب الى مشفى قريب أو تبادر للاتصال بصديق قريب بحجة الاطمئنان على صحة زوجته ومعرفة نوع المولود الذي وضعته, فتترسخ قناعتك أن المشكلة ليست في خصوبة النساء أو عقمهن بل في عقم تفكير مقاومي التغيير.
تغيب عن البلد وترجع حاملاً معك غيوماً ممطرة من اللهفة والاشتياق, وتقص لأحبابك حكايات طريفة عن سلاسة انسياب دورة العمل في الدول الأخرى, وكيفية التعامل مع المراجعين بكل لطف ودماثة وإنسانية, واختصار للوقت, هذه السلعة التي ترتفع أسعارها في كل الدنيا إلا لدينا فهي مهدورة بلا حساب شأنها شأن ماء الشرب, علماً أن الوقت والماء هما أهم ما في الحياة بل هما الحياة نفسها.
حتى إذا عدت الى ربوع الوطن الغالي وكتب عليك مراجعة إحدى الدوائر الحكومية, وجدت الوجوه نفسها, وأسلوب التعامل نفسه, والمشجب القديم المهترىء نفسه (غياب البديل).
نهرالحياة يحوي مياهاً متجددة على الدوام, والماء يظل عذباً فراتاً بجريانه, وإذا ركن للجمود وحدثته نفسه بالبقاء في موضع واحد لا يبرحه ولا يتزحزح عنه أسن وأصبح كريهاً فاسداً يعاف الناس شربه, وليت هذه الحقيقة تكون واضحة في أذهان أولئك الذين يحاولون الوقوف في وجه تيار الزمن متصدين لنهره الهادر الذي سيجرفهم في نهاية المطاف.
غياب البديل حل للمشكلة لا سبب لها لأنه سيقودنا شئنا أو لم نشأ الى الشعور بوجود المشكلة, والشعور بها خطوة مهمة على طريق الاعتراف بثقل وطأتها علينا, هذا الثقل الذي سيقودنا الى استشراق آفاق الحل الأنجع في أقصر وقت.
أولئك الذين أدّوا مهمتهم في الحياة سيبقون محط تقديرنا واحترامنا, نرحب بهم جذوراً كريمة كانت سبب اخضرار أوراقنا, وليكونوا على ثقة تامة أننا سنرجع إليهم كلما أشكل علينا أمر ما, فخبرتهم ذهبٌ يزيده مرور الزمن قيمة وألقاً, لن نستغني عنهم لأننا بأمس الحاجة الى خبرتهم, لكن ليسمحوا لنا بالتعبير عن أنفسنا, ليتيحوا لنا الفرصة لأخذ دورنا في بناء المجتمع والنهوض به كما أخذوا فرصتهم من قبل, وهذه هي سنة الحياة وهذا هو قانون الطبيعة, يكبر الصغير ويشيب ويهرم ثم يرحل عن الدنيا, وتستمر دورة الحياة على هذا المنوال الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
بهذه العقلية نستطيع أن نفكر بطريقة هادئة بعيدة عن الانفعال, ونضمن تلاقي الجهود الصادقة والخبرات القيمة لنساهم كلنا في رفعة الوطن والنهوض به, وهو هدف سام نلتقي عنده وعليه.