وها هي مؤخراً موضوع كتاب للاستاذ الجامعي موريسيو سيرا مدير الاكاديمية الدبلوماسية في وزارة الخارجية الايطالية ويحمل عنوان ( الاخوة المنفصلون) يتناول فيه ثلاثة وجوه أدبية عرفت بتناقضها الايديولوجي لكنها طبعت الفكر في القرن العشرين وهي بيير دريو ولويس آغون وأندريه مالرو, ولم يسبق لأي مؤرخ في الحركة الثقافية الأدبية على الصعيد الفرنسي ان تجرأ على طرح هذا الموضوع وان وضع هؤلاء الثلاثة في مركب واحد, فبعد ربع قرن من موت مالرو توقف الادب مليا حول ما يجمع هؤلاء وما يفرقهم خاصة على خلفية الحروب الاهلية والاوروبية.. ففي عام 1935 نشر دريو أهم أعماله ( الامر الزائل) واختار طريقه الى جانب برلينوهتلر ضد موسكو وعرف باتجاهه الفاشي, في ذلك الوقت اختلف آراغون مع أندريه بروتون لأنه كان شديد الاعجاب بانجازات ستالين وكتب فيه أجمل القطع الشعرية.
لقد بدأت حقبة ما بين الحربين عملياً مع دريو وتتابعت مع مالرو وهناك صورة فوتوغرافية شهيرة خلال مؤتمر مناهض للفاشية يظهر فيها آراغون اكثر مكراً وأقل حماساً من مالرو وهم يلوحون بأيديهم..في هذه الصورة يرى مورسيو ان هذه الاشارة التقطها الجميع وفسرت التفاهم الذي كان ولو بشكل بعيد بين هتلر وستالين وفي الوقت الذي كان مثقفو باريس يتصارعون ويدعون الى الوحدة والتجمع رأى البعض ان خطيئة اغلب اليساريين حينئذ أنهم كانوا يريدون معاداة الفاشية دون ان يعني ذلك معاداة الانظمة الشمولية, من جهة اخرى حاول المؤلف ان يبرر لدريو حماسه لرموز العصر فالكتاب يحلو لهم ان يرتبط اسمهم بأسماء العظماء بدءا من كاترين الثانية في روسيا التي عشقها ديدرو مروراً بجوزيف ستالين الذي جذب آراغون وصولا الى ماو الذي جذب الكثيرين. وبمناسبة صدور هذا الكتاب ولقاء صحيفة الفيغارو مع مؤلفه موريسيوسيرا والسؤال كيف خطرت بباله فكرة ان يجمع في كتاب واحد الفاشي دريو والشيوعي آراغون والديغولي مالرو يقول: أردت الاهتمام بكل واحد على حده, لقد جذبني دريو وآراغون وموقفه من الشيوعيين وكتابات مالرو حول الحرب الاسبانية وما يجمعهم برأي هو الموقف الايديولوجي , وجوابا على خطر احياء الماضي حيث كان الصراع محتدما بين الفكر الشيوعي والفاشي واختلاف الوضع في ايطاليا حول هذا الصراع اوضح الكاتب انه لو استطاعت الفاشية حكم فرنسا لكانت شبيهة بالاحتلال اما في ايطاليا فقد حكمت الفاشية اكثر من 15 عاماً وطبعت فترة ما قبل الحرب لجيل عريض من المثقفين ثم ازدهر الفكر الشيوعي مع نهاية الحرب لبناء مجتمع جديد, وشكلت الشيوعية حينئذ جزءاً مهماً من النسيج القومي العام وكانت أكثر تأثيراً من التيار الشيوعي الفرنسي الذي توضع في وسط اجتماعي معين, لا ننسى ان ايطاليا عرفت في عقد الاربعينات من القرن الماضي حالة حرب أهلية حقيقية وتصفية حسابات مات فيها آلاف الضحايا.
يظهر مالرو في الكتاب أقل حدة بين الكتاب الثلاث ولم يعطه الكاتب الاهمية التي اعطاها لآراغون ودريو, يقول موريسيو: إن حالة مالرو جديرة بالاهتمام لكنه ارتبط فكريا بالواقع الفرنسي رغم انه كتب عن الصين وعن الحرب الاسبانية كتابه الشهير ( الأمل) ورغم شهرته العالمية بقي التزامه محصوراً داخل فرنسا خصوصاً في الحركة الديغولية, ومؤلفاته ما بين 1960-1970 ارتبطت بشكل واضح بالخطاب الفرنسي وتراجع اهتمامه العالمي.
أما عن موقع هؤلاء الثلاثة بالنسبة للكتاب الفرنسيين كبروست وسيلين وسارتر يقول المؤلف: من الصعب اجراء مقارنة بينهم وبين سارتر وسيلين لأن هؤلاء الثلاثة كانوا فرنسيين اكثر من كونهم عالميين .