وفي التفاصيل التي يتوقف عندها الراحل الدكتور قتيبة الشهابي في كتابه الصادر حديثا عن احتفالية دمشق تحت عنوان (ساحة المرجة ومجاوراتها في دمشق بين الأمس واليوم) نقع على تفاصيل كثيرة.
فقد سجلت عدسات المصورين المحليين تراث دمشق في نهايات القرن التاسع عشر ومنهم المصور حكيم وسكافو من بدايات القرن العشرين وأبو سليمان وجورج شاوي وفوتوفرانسا وحليم اسبر فاخوري وغيرهم.
وقد عبر الكاتب الفرنسي فيكتور هيغو في مقدمة كتابة (المشرقيات) الذي طبع في باريس سنة 1929 عن واقع اوروبا في تلك الحقبة بقوله (القارة كلها تتجه نحو الشرق).
وهناك عوامل أخرى اسهمت في ازدهار التصوير الشمسي في بلاد الشام منها ادخال السفن التجارية إلى الخدمة سنة 1835 فازداد نتيجة ذلك عدد السياح والحجاج إلى المنطقة وفي سنة 1868 أعلن توماس كوك من لندن عن تنظيم رحلات سياحية إلى مصر وسورية, ومع انتقال أعداد كبيرة من السياح الأوروبيين إلى المنطقة وتطور أساليب التصوير التي أصبحت أكثر سهولة أخذت الاستديوهات المحلية بالظهور في كل من بيروت والقدس ويافا وحلب وانصب اهتمام المصورين الرواد في عقدي الاربعينات والخمسينات من القرن التاسع عشر على تصوير المعابد والهياكل القديمة, ونظرا لكثافة عدد المصورين الذين جالوا في بلاد الشام فإن الانتاج الفوتوغرافي في سورية كان الثاني من حيث الكمية بعد اوروبا.
اتصفت رحلات المصورين الأولى بالصعوبة البالغة وغياب الأمن خصوصا أن الطرق في بلاد الشام خلال تلك الفترة كانت شبه معدومة لذلك كانت كل بعثة بحاجة إلى حراس ودليل وخيول لنقل معدات التصوير والأغذية والتصوير والأغذية إضافة إلى مترجم وطاهي وحمالين وخيمه خاصة لتحميض الأفلام.
وكان للمصورين الفرنسيين دور كبير وهام في إنتاج بدايات الصور الفوتوغرافية في بلاد الشام ففي مطلع شتاء عام 1839م زارت أول بعثة رسمية فرنسية سورية بهدف التصوير وكان من بين أعضائها المصور فريدريك فيسكه وهو أول من زار سورية من المصورين والتقط صورا لها وتم ذلك في الساعة الثالثة والثلث من بعد ظهر يوم الثالث عشر من كانون الثاني عام 1840م كما التقط صورا للالبسة النسائية والرجالية ولشوارع المدينة وبيوتها.
المصور الثاني الذي زار المنطقة جيرود برانجي وكان خبيرا بالعمارة الاسلامية وتحتفظ جامعة تكساس بالولايات المتحدة الاميركية بمجموعة صوره التي التقطها أثناء جولاته في مصر وسورية وآسيا الوسطى وتعتبر من أندر الصور عن العمارة الاسلامية وقد نشر بعضها في كتاب صدر بباريس في خمسينيات القرن التاسع عشر.
ومن أبرز المصورين الفرنسيين الذين نشطوا تحت ستار البحث العلمي هما المصور ماكسيم دو كامب الذي قام برحلة إلى مصر وسورية سنة 1849م ومعه المصور اوغست سالزمان ثم نشر بعض صورهما في كتاب طبع في باريس سنة 1851م.
وكلف لويس دو كليرك 1834-1901 م من قبل وزارة التوجيه العام الفرنسية للقيام بدراسة تصويرية في سورية ونشر بعد إنجاز مهمته أربعة البومات بعنوان (رحلة إلى الشرق) وخصص الالبومين الأوليين لسورية ولبنان.
وكانت الصور الأولى التي طبعت على الورق هي للمصور البريطاني الطبيب الجراح كلوديوس ويلهاوس (1826-1909م) وله نحو 90 صورة التقطها في البرتغال ومصر وسورية واليونان ويصنف فرنسيس فريث بأنه أبرز المصورين البريطانيين وأغزرهم انتاجا فقد قام بثلاث رحلات إلى مصر وسورية خلال السنوات 1856-1860م وأصدر مجموعة من الكتب المصورة عن هذه الرحلات.
ومن المصورين الالمان بيتر بيرغهايم الذي التقط صورا لدمشق والجامع الاموي وبعض الأماكن الأخرى داخل المدينة سنة 1873م.
وفي ايار عام 1989 أقيم في مكتبة الأسد بمشاركة كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق وبرعاية الدكتورة نجاح العطار معرض بعنوان صور ضوئية من بلاد الشام في القرن التاسع عشر شارك فيه:
البرت بوخيه: رسام ومصور وموسيقي فرنسي ولد في حلب التقط صورا لمدينة حلب ولكنيسة القديس سمعان وقد نشرت أعماله في البوم ضخم بباريس سنة 1878م.
لويجي فيوريللو: مصور ايطالي أقام في مصر وتجول في سورية خلال سبعينيات القرن التاسع عشر والتقط العديد من الصور لها.
سليمان حكيم: مصور سوري محترف نشط في أواخر القرن التاسع عشر التقط صورا غاية في الجودة لمدينة دمشق وكان محترفه في حي العصرونية بدمشق.
جورج صابوني 1840-1910م مصور افتتح استديو للتصوير في بيروت بمطلع الستينات من القرن التاسع عشر التقط في زمنه صورا للمدن السورية والشخصيات السياسية والأدبية وتجول في مصر والأناضول.
فرنسيس بدفورد: مصور بريطاني معروف رافق ولي عهد بريطانيا أثناء جولته في مصر وسورية سنة 1862م التقط خلالها 210 صور بأسلوب الكولوديون الرطب وبعد عودته إلى بريطانيا عرض الصور ونشر بعضها في كتاب ونال جائزة فضية على أعماله.
تانكراد دوماس: مصور فرنسي افتتح في ستينات القرن التاسع عشر استوديو بحي الزيتونة في بيروت وجال في مصر وبلاد الشام والاناضول واليونان والتقط صورا لها.
ومنذ بدايات القرن العشرين قامت الرحالة البريطانية فريا ستارك (1893-1993م) بأكثر من رحلة إلى سورية خلال السنوات 1928-1982 وسجلت عدستها مناظرها وآثارها وأقيم لها معرض في دمشق سنة 1993 برعاية الدكتورة نجاح العطار.