تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأحوال الشخصية لأدب تاء التأنيث

ثقافة
الخميس 18/9/2008
سوزان ابراهيم

ذات قراءة تعثرت بوحي فكرة سقطت على أم رأسي, لعلها لم تكن تحمل مظلة فانداحت دماؤها حبراً في شرايين قلمي, وإليكم التفاصيل:

كنا نسمع أن الأدب ومدارسه وأساليبه تُنسَب لسمات عصرما,أو لقواعد نقدية أسلوبية كآداب العصر الفيكتوري أو النهضة أو التنوير... وكان الأدب الكلاسيكي والحديث, والمعاصر وأدب الحداثة وما بعدها... أو قد يصنف وفقاً لمكان إنجازه كأدب المهجر والمنفى والسجن... أو تبعاً للقارة كأدب امريكا اللاتينية والأدب الأفريقي... ولكن الحديث راح يأخذ مناحي أخرى, وكأن كل التقسيمات الإدارية اللازمة للدراسة والتفريق بين هذا وذاك بحثاً عن ميزات مهمة لم تف ِ الأمر حقه, فلجأ النقاد وغير النقاد إلى تصنيفات على أساس الجندر, فصرنا نعرف ماهو أدب ( ذكوري ) وأدب ( نسائي )! وليت الأمر توقف هنا, بل استمر التقسيم عملاً بأحكام القاعدة الذهبية فرّق تسد لنسمع بأدب المطلقات, وعلى هذا المنوال أستغرب ألا نجد أدب المراهقات, والعانسات القانتات, والأرملات, والمعلقات اللواتي لم يطلن أرضاً ولا سماء, والمتصابيات, ومن قضين على مذبح الزواج شهيدات, ومن أبقين على خانة الوضع العائلي مشرّفة ترفع الرأس تسليما بقضاء المجتمع وقدره, أو استسلاماً لعدم القدرة على قول لا !! أو تلذذاً بدعة ذلك الوضع العائلي الذي يوفر رفاهية وترفاً وبرستيجا!! ودائماً لا نحبّذ التعميم.‏

ما يلفت الانتباه في الوسط الثقافي او الأدبي حقاً أن نسبة مهمة ممن يتعاطين الأدب ( أو ممن يدّعين ذلك ) هن من المطلقات- وثمة أسماء كبيرة بكل المقاييس ليس في سورية فقط, بل في دول عربية أخرى - ولا أعتقد أن في هذا ما يثير الدهشة, فلذلك عدة مبررات منطقية أتت على الإشارة إليها بعض النساء الكاتبات عندما فصّلن التسمية على مقاس الوضع العائلي للمرأة! مع ذلك أود أن أسأل: هل أحصى أحدهم, أو أحصت إحداهن نسبة الأدباء المطلقين, أو نسبة الملتزمين منهم بامرأة واحدة - ولا أود الخوض فيما نعرف جميعاً -‏

بعيداً عن كل التصنيفات السابقة يبدو أن لأدب المرأة خصوصيات تتأتى من خصوصيتها الفيزيولوجية والنفسية والمجتمعية وحساسيتها العاطفية والروحية. من خلال قراءات كثيرة لمجموعات شعرية وقصصية كتبتها نساء من أعمار مختلفة, كان لابد للتجربة الحياتية لهن أن تتجلى خلف السطور, وكأي بدايات إبداعية ستشغل العاطفة مساحة كبيرة في بعض تلك الكتابات وقد تبالغ بعضهن بما يفيض عن حدود النص. قد تنشغل كثيرات بعوالم الأنثى السرية البعيدة عن متناول الجمهور الذكوري على وجه الخصوص, قد تفشي النساء أسراراً للورق وتنفحنه فشلهن وحنقهن وربما يأسهن وتحطمهن و.... ربما كان من حق المرأة حين تدوس أرض الكتابة أن تعمل على ترتيب فوضاها الداخلية, وأن تفتح شبابيكها للشمس لتعمل على تعقيمها, ولها الحق في البكاء والنحيب ( وقد يحدث ذلك كله في أدب الرجل ) ولكن إلى أي حدّ, وإلى متى من الوقت?!‏

ربما بدأت نساء كثيرات الكتابة بطريقة متشابهة, لأن الكتابة في جوهرها تجسيد بديع للذات فإن كان الرجل الكاتب لا ينكر سحر هذه الوصفة,ويسعى إليها, فلن نستغرب لجوء النساء إلى الكتابة وهن الأكثر احتياجاً لتحقيق الذات! يحق لكل من يجرب الكتابة أن يحوّل الورق إلى مقبرة جماعية لأحزانه وانكساراته وأحلامه, شريطة أن يتوقف ذلك كهدف رئيسي للكتابة في مرحلة محددة, لتتحول لاحقاً إلى مشروع ثقافي له أهدافه الواضحة ولغته وبصمته وخط سيره الخاص, حيث تنأى الكتابة بنفسها عن أن تكون ترفاً أو برستيجاً يسعى إليه كثير من النساء والرجال, لتنخرط في أوحال وأهوال الواقع, والاهتمام بإنسانه المسحوق, فيصير الأدب شاهداً على عصر أو مرحلة وبما يشبه تأريخاً غير رسمي لها, يعتبر أكثر مصداقية من كتب التاريخ الذي يُكتب وفق أهواء أصحابه, وقد لعبت الرواية العربية هذا الدور في مراحل عدة وما تزال كذلك عند بعض الروائيين. أن تكتب المرأة عن عوالم المرأة وبما لا يستطيعه غيرها فذلك لا غبار عليه, وأن تكتب عن تجارب حياتية حقيقية عايشتها فلا أظن أن هناك من يفعل أفضل منها لأن معايشة الواقع تمنح إحساساً ومفردات وصوراً خاصة بصاحب التجربة قد لا يتمكن الخيال وحده من اللحاق بها.‏

لا يبدو التطرق إلى مصطلح أدب المطلقات بريئاً تماماً خاصة عندما تتداوله نساء كاتبات لتوصيف تجارب أدبية لأخرياتٍ يعشن وضعا عائلياً مختلفاً ( والطلاق جاء لغة من الإطلاق أي التحرر من أسر, وربما كان الأجمل أن يقال أدب المحررات من أسر! ).‏

لعل ما توسم به تجارب بعضهن صحيح, لكن هذا المعيار لا يبدو منطقياً وكافياً, لأن ثمة كاتبات أخريات غير متحررات من أسر - لا ينجين تماماً من فخ الاستغراق في وصف الهوى والعشق والألم ... وكل مفردات العذاب الأنثوي الأخرى!‏

لا يجوز لمن يرفضن مصطلح الأدب النسوي أن ينزلقن إلى الخوض في مصطلح يؤجج الفرقة بين صفوف الأديبات والتي لا تحتاج إلى مزيد من تلك الجهود.‏

قد يكون لبعضنا مآخذ على أسلوب هذه الكاتبة أو تلك, لكن ليس من اللائق أن نتبع في نقدنا ذلك الأدب سبل التلصص على الوضع العائلي لصاحبته منطلقين ربما من عرف اجتماعي عتيق يقضي بعدم وجود المرأة خارج كيان الرجل وظلاله لأنه قدرها! حسن ٌ.. ولكن أليس من حق النساء اختيار أقدارهن! - وهذه وجهة نظر-.‏

لطالما تعرض أدب المرأة لتهم وحروب ذكورية, فكان من أسهل الطرق للنيل من امرأة ناجحة هو التلصص على حياتها الخاصة ومراقبتها,وافتعال الشائعات التي إن انشغلت بالرد عليها لن تصل براً ولا بحراً لحقيقة! لن نتجاهل ما يتعرض له أدب المرأة من رقابة ذكورية ومجتمعية لتاتي رقابة النساء الأشد والأدهى لتزيد الطين بلة! لن يقرأ رجل قصيدة أو قصة أو خاطرة لكاتبة ما إلا ويبحث عن ظل رجل خلف معانيها ولن يتورع عن السؤال: من هذا? غامزاً متلذذاً بسبق فضائحي لقراءةٍ توهمت رؤية الحقيقة, فإن أغاظ نجاحٌ حققه أدب إحدى الكاتبات المطلقات كاتبات أخريات , وهن غير راضيات عنه, لا أجزم أن من حقهن كيل الاتهامات شمالاً ويميناً للتدليل على كاتبات لمع نجمهن بفضل وساطات ما, أو لوجود أعناق أو أكتاف حملتهن إلى سدة المنابر وأضواء الشهرة, وأرى أنهن جافين الحقيقة في مواضع كثيرة أولها إطلاق أحكام معممة وثانيها الانزلاق إلى مواضع كنّ بغنى عن الخوض فيها لأن ذلك لم يقلل من شأن أولئك ولم يرفع من شأنهن.‏

والأكثر حقيقة أن هناك فئة من النساء وفئة من الرجال أيضاً في كل مجال من مجالات الحياة في الأدب والصحافة والعمل والتدريس والجامعة و.... ركبن الموجة وعرفن من أين تؤكل الكتف, وسنكون غلاة حاقدين إن أطلقنا أحكاماُ عامة فثمة كاتبات وبغض النظر عن سجل الأحوال الشخصية لهن أثبتن نجاحاً لافتاً ربما تسبب لهن بالرمي بمثل ذلك المصطلح وبكثيرغيره.‏

الأدب هو ما يكتبه إنسان يتمتع بموهبة حقيقية و بقدرة غير اعتيادية على الاحتراق والإحساس والتوليد والاشتقاق والتجاوز وبذل الجهد والتحلي بصبرلا ينفد, وأهم أولوياته احترام خصوصيات الآخر, والإيمان بأن البقاء للأفضل .‏

قال غاو شينغجيان الأديب الصيني الحاصل على جائزة نوبل عام 2000: إن على الكاتب أن يكون قبل أي شيء آخر, شاهداً على الطبيعة الانسانية, فمسؤوليته تكمن في الخضوع لأمر الواقع, خارج كل حكم قيمة . ورداً على سؤال: لماذا أصبح أكثر صعوبة من الماضي أن يكون الانسان فنانا أو كاتبا اليوم?‏

أجاب: لسبب بسيط جدا, لأن الأعمال لم تأخذ أبدا شكل منتوجات تجارية مثل اليوم. ومبدعوها هم ضحايا نظام توتاليتاري غير مؤلم يخضع فيه عملهم للموضة, ولمعايير حكم جماعية, ولمقاسات واستراتيجيات. يجب علينا نحن الكتاب والفنانين أن نتحرر ما أمكن من هذا الميل الغريزي المتواصل للحصول على الاعتراف, لكن الضغط من القوة بحيث أن الكثير يستسلم, لأن السوق تحتاج الى نجوم, الى جمالات تافهة, والى تسليات, لكن بعضنا يستسلم بنوع من الطيبة بما ان العقوبة الإعلامية والتجارية تمنح سجنا ذهبيا كبيرا. يجب أن نسلم نهائيا أنه لا توجد أي علاقة نظامية بين قيمة عمل إبداعي والاعتراف الإعلامي به.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية