تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الجمعية العمومية في دورتها الثالثة والستين هل تستعيد دورها الأممي?!

دراسات
الخميس 18/9/2008
حسن حسن

على الرغم من مرور حوالي ثلاثة وستين عاما على إطلاق ميثاق الامم المتحدة في سان فرانسيسكو في حزيران 1945 والذي كان نقلة تاريخية في العلاقات الدولية, فإن المنظمة الدولية لم تقترب بالقدر المطلوب من تحقيق أهداف تأسيسها وحتى يومنا هذا.

لقد سعت المنظمة الدولية منذ تأسيسها الى ضمان المساواة بين الدول صغيرها وكبيرها, وأن يكون لكل منها صوتها المسموع داخل الجمعية العامة وتصويتها المؤثر على قراراتها, لكن مجلس الأمن ظل صيغة تعكس نتائج الحرب العالمية الثانية, وضم خمسة أعضاء دائمين متمتعين بحق النقض (الفيتو) الى جانب عشرة آخرين غير دائمين ولا يتمتعون بهذا الحق.‏

وظلت الأمم المتحدة بهياكلها ومؤسساتها ومنظماتها الاقليمية منذ تأسست عام 1945 منبرا حرا للتنسيق والتشاور, واطارا صالحا لمعالجة المشكلات المتعددة, ولتقديم العون في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وفي ميادين الصحة والتعليم والادارة.‏

كما أنها شكلت ضمانة لاستقلال الدول وسيادتها ضد محاولات فرض الهيمنة والتبعية من جانب المستعمرين والمغامرين والمستوطنين القدماء والجدد.‏

وقد ازدادت المشكلات الدولية تعقيدا منذ عقدين ونيف, فالفقر ازداد بمعدلات كبيرة, وانتشر الايدز في القارة الافريقية ومناطق أخرى من العالم, واتسعت الحروب الأهلية, وزادت الكوارث البيئية الناتجة عن الانبعاثات الحرارية التي تطلق معظمها الشركات الكبرى في الولايات المتحدة, وانهار الاتحاد السوفييتي, واختل التوازن النسبي الذي ساد إبان الحرب الباردة, وقد وجدت الأمم المتحدة أن الحاجة باتت ملحة لتجديد الآليات وحشد الامكانات من أجل مواجهة العواصف المتلاحقة.‏

وقد توالى على منصب الأمين العام للأمم المتحدة كل من : تريجفي لي من النرويج, وداغ همرشولد من السويد, ويوثانت من بورما, وكورث فالدهايم من النمسا, ودكويلار من البيرو, وبطرس غالي من مصر, وكوفي عنان من غانا, وبان كي مون الأمين العام الحالي من كوريا الجنوبية.‏

وحاول اثنان من هؤلاء الأمناء تجديد آليات عمل المنظمة, واتخاذ مواقف مستقلة عن الضغوط التي تمارسها الدول العظمى, فخسر الأول حياته وهو همرشولد, وخسر الثاني إمكان التجديد له لفترة ثانية رغم تأييد أعضاء مجلس الأمن له ومعارضة الولايات المتحدة.‏

فالقيد الجديد صنع في الولايات المتحدة الاميركية, وكتب عليه بأحرف فولاذية لا يمحوها الزمن, إنه عصر القطب الأميركي الواحد الوحيد ولا خيار إما أن تكون معه أو ضده, ولا تحاول اصلاحا أو تعديلا لمسيرة الاقتصاد والعلاقات الدولية إلاّ عبر بوابته وبموافقته وإلا فالفشل هو المصير المحتوم. والمبررات التي طرحت ويجب القبول بها عالميا ويفضل عدم الدخول في التفاصيل أو النقاش أو المعارضة ظهرت على لسان كبار مسؤولي البيت الأبيض والبنتاغون. فالعالم هنا سيكون من دون الولايات المتحدة فوضى حسب وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت وهو عالم حرية وديمقراطية حسب بوش وعالم وفقا لطموحات الشعوب حسب وزيرة الخارجية الحالية كوندوليزارايس.‏

وجاء الموقف العالمي واضحا من خلال قمة الألفية عام 2000 والتي دعت الى عالم أكثر أمنا و استقرارا وسلاما عالم تكون فيه العولمة سلاحا للبشرية جميعا, وبحيث توزع خيراتها بشكل عادل يؤدي الى تقليص الدول الأشد فقرا في العالم, كما أن العالم المنشود سيكون أفضل عندما تأخذ المنظمات الدولية دورها وفقا لميثاقها ومقاصدها بشكل يحقق العدالة والمساواة بين الشعوب.‏

ومع احداث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة انقلبت الطاولة الدولية رأسا على عقب وتدحرج كل من كان على سطحها وتغيرت المصطلحات والخطب السياسية وحلت محلها أولويات العالم, أولويات أميركية أكثر قوة وأكبر تأثيرا ووضع كل شيء جانبا باستثناء ما يقوله قادة البيت الأبيض والبنتاغون وسفراء واشنطن في الخارج. ووفقا لذلك, فكل شيء وكل قدرة عالمية وكل مسعى دولي يجب أن يتجه ضد الإرهاب وفي كل مكان وبقيادة أميركية فقط.‏

ومن حسن حظ الأسرة الدولية أن دعوات اصلاح الامم المتحدة برزت بقوة الآن ويتم الحديث عنها اعلاميا وعبر الندوات والمؤتمرات واللقاءات الاقليمية والدولية. والآمال معقودة اليوم على ما أطلق عليها مجموعة الثلاثين والتي تضم دولا من قارات مختلفة, والتي بدأت اجتماعاتها الصعبة لإيجاد حلول لقضايا الخلاف الرئيسية في الامم المتحدة وهي : الإرهاب والتنمية واصلاح الامم المتحدة وأسلحة الدمار الشامل والتدخل لحماية السكان المعرضين للإبادة.‏

ويشكل كل موضوع من هذه الموضوعات تحديا بحد ذاته للأسرة الدولية ويتطلب المزيد من الحوار الديمقراطي داخل المنظمة الدولية بحيث يتم فيه احترام وجهة نظر الدول المختلفة, والمزيد من المرونة أثناء الحوار بحيث يتم الدفاع عن عالم الأمن والسلام وليس عالم المصالح الضيقة للدول وهو الخطر الأكبر أمام مشاريع الاصلاح. فالأسلوب الانتقائي في صياغة القرارات وتطبيقها يهز مرجعية الأمم المتحدة ومصداقيتها , وهو أمر شددت عليه سورية دوما, وأشارت الى أهمية تطبيق القرارات الدولية على الجميع بما في ذلك (اسرائيل). ومن المزمع أن سورية ستقدم ومن خلال مشاركة وزير الخارجية وليد المعلم مجموعة من الطروحات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منها متابعة عملية السلام والصراع العربي الاسرائيلي وسبل تسوية هذا الصراع وفق المرجعيات الدولية وتشجيع الامم المتحدة على لعب دورها المنوط بها وفق الميثاق.‏

فالبشرية ليست بحاجة الى مزيد من المعاناة والحروب في الألفية الثالثة, وليست بحاجة الى امبراطورية للحرب وتمجيد القوة, وتسخير ما أنتجه العقل البشري والحضارات المتعاقبة من أجل ذلك ,وهي محتاجة الى أمم متحدة قادرة على المساعدة السريعة في ظروف الكوارث الطبيعية والبيئية ومبادرة لتأمين متطلبات التنمية, وحاجات السلام لجميع أعضائها, وقادرة على لجم أي محاولة للتفرد أو الخروج عن الإرادة الدولية من أي طرف, وعندها تستعيد هذه المنظمة الدولية هيبتها وحضورها ومرجعيتها , ويستعيد العالم توازنه الذي فقده.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية