واشار الدردري خلال افتتاح ورشة عمل في مجلس الوزراء امس حول اطلاق عملية تنظيم القطاع غير المنظم باشراف الخبير الاقتصادي العالمي هيرناندو ديسوتو المختص في هذا المجال الى ان هذا القطاع له ابعاد كثيرة ومختلفة وهناك الكثير من الدول التي تملك تقديرات حول حصة هذا القطاع في اقتصادياتها ولكن ليس لديها تعريف دقيق له.
واوضح ان هذه الورشة هي بداية لاطلاق مشروع وطني لتحديد تعريف له ومعرفة ملامحه في سورية والتعرف على تفاصيل مكوناته بشكل دقيق ورسم السياسات والبرامج الاستراتيجية والمشاريع التي تساعد في تحديد نقاط القوة ومحاصرة نقاط الضعف الاقتصادية والاجتماعية بمساعدة الخبير ديسوتو الذي استطاع نقل الملايين من الفقراء الى فوق مستوى خط الفقر من خلال تنظيم هذا القطاع وهو ما نؤكده لان تقييم ادائنا الاقتصادي يجب ان يقاس بمعايير الحد من الفقر والبطالة والتي سنتبعه كمنهج في تقييم فترة منتصف الخطة الخمسية العاشرة.
ومع نهاية اعمال الورشة حدد الدردري الهيكلية المشرفة على المشروع الذي سيكون باشراف مباشر من اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء فيما سيكون المشرف الفني على المشروع هو المكتب المركزي للاحصاء وبمشاركة لجان تضم وزارتي الادارة المحلية والعدل وهيئة تخطيط الدولة والمصالح العقارية وبالتعاون مع جميع الوزارات لجمع البيانات والمعلومات الاولية والتشخيص كمرحلة اولى على ان ترفع اللجنة تقاريرها للجنة الاقتصادية التي تضم الوزراء المعنيين لمناقشة التقارير وعرضها على مجلس الوزراء للبدء بعملية النقاش العامة التي ستشمل جميع الدراسات والجهات العامة والخاصة والقطاع الاهلي والنقابات للبدء بتطبيق المسوحات على ارض الواقع وبعد الانتهاء من المسوحات خلال فترة لا تتجاوز عاما ونصف سيتم اتخاذ الاجراءات المناسبة لتنظيم هذا القطاع من تعديل للقوانين او تبسيط على اجراءات وغيرها من الامور التي تحقق الفائدة الصحيحة والكاملة للدولة ولأفراد القطاع غير المنظم.
بدوره اشار الدكتور فؤاد عيسى الجوني وزير الصناعة الى ان الاحصاءات التي تمت للورش الصناعية غير النظامية غير دقيقة الامر الذي يستدعي اعادة حصر كافة اعمال القطاع غير المنظم في مختلف نشاطاته بشكل دقيق لاتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجة هذا الموضوع والاستفادة من امكانيات هذا القطاع.
الخبير هيرناندو ديسوتو اشار الى ان دول العالم الثالث تعاني كثيرا من هذه الظاهرة وتم التعامل معها بشكل جدي في الدول المتقدمة منذ منتصف القرن الماضي وكذلك مع منظمة العمل الدولية لان وجود هذا القطاع يعتبر فشلا للقطاع الخاص بعدم معرفة فرص العمل التي يقدمها او مدى مساهمته بالناتج المحلي.
واشار ديسوتو الى ان المرحلة الاولى هي العمل على وجود تشخيص جيد للاقتصاد غير الرسمي السوري وهذا ما لا يمكن معرفته الا بعد القيام بالمسح المباشر وبعده نضع التعريف المناسب له.
واضاف علينا ان نكتشف ماهي الوسائل القانونية لخلق فرص النجاح لهذا القطاع فهو يحتاج للحصول على تسهيلات في القروض وتوفير في تكلفة الانشاء او مدة التراخيص وغيرها من العوامل المحفزة لدخوله ضمن القطاع المنظم وعلينا ان نعرف ملكية جميع العقارات سواء الاراضي او الابنية وكيف يمكن تنظيمها ليستطيع صاحب العقار الحصول على قرض او تسهيل ائتماني ومن ثم يفكر في جباية الضرائب وفواتير الطاقة والمياه وغيرها.
واوضح ديسوتو ان التجربة التي نعمل عليها في مصر اظهرت ان 89% من العقارات هي خارج الاطار القانوني وهناك 25-30 مليون شخص في مصر يضعون ايديهم على العقارات دون وجودهم بشكل مباشر ويصل قيمة هذه العقارات الى حوالي 280 مليار دولار لو اردنا بناءها بشكل كامل ونظامي وهو يشكل 50 ضعفا من حجم الاستثمار الاجنبي في مصر منذ غادرها نابليون.
واكد ان البداية تكون من التشخيص فلا بد من الحصول على صورة فوتوغرافية للواقع للبدء بوضع الحلول التي تتناسب مع ثقافة وعادات المواطن السوري.
***
دراسة لاقتصاد الظل من مكتب النائب الاقتصادي
له فوائده أيضاً ويمتص 34% من القوى العاملة
أنجز الفريق الفني الاقتصادي في مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية دراسة اولية عن القطاع غير المنظم في سورية بمناسبة اطلاق المشروع الوطني لتنظيم هذا القطاع و ارتكزت الدراسة على بحث عدة عناصر في هذا القطاع كمساهمته في اجمالي التشغيل لليد العاملة , و توزيع العاملين فيه حسب القطاعات و تقدير مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي اضافة الى ايجابياته و سلبياته الاقتصادية و غيرها من المحاور.
تعريف أكثر شمولية
تبدأ الدراسة باطلالة على مساهمة القطاع غير المنظم في الاقتصادات الدولية فهي تشكل في اسيا 52% من الناتج الاجمالي المحلي , اما في الدول المتقدمة فتنخفض الى 18% , لتنتقل بعدها الى سوق تعريفين له : مكتب العمل الدولي يقول انه الوحدات الصغيرة لانتاج و توزيع الخبرات و الخدمات الموجودة في المناطق الحضرية خاصة في البلدان التي هي في طريق النمو.
اما المكتب المركزي للاحصاء فيعرفه انه القطاع الذي يمارس افراده العمل خارج اطار المنشاة, كطباعة الصحف و المجلات واوراق اليانصيب و الخضارو الفواكه او الذين يمارسون عملهم ضمن اشباه المنشآت التي ليس لها صفة الديمومة و الثبات كالانشطة التي تمارس ضمن منازل مغلقة الابواب و عمال البناء الذين يقفون في الساحات العامة والحمالين والحرفين والمتجولين وعمال الزراعة الذين يتنقلون من مكان لاخر او يعملون لدى الاسرة بصورة دائمة او موسمية.
لكن الفريق الاقتصادي الذي انجز الدراسة يذهب باتجاه اكثر شمولية اذ يضيف اليه مجموعة النشاطات الممنوعة او المسموحة بطبيعتها قانونا و التي تمارس بطريقة غير قانونية. و يقصد بهذا التعريف شمول النشاطات غير القانونية كالتهريب و المخدرات وغسيل الاموال الا انه يشمل نشاطات مسموحة وهي تشكل القسم الاكبر من الاقتصاد غير المنظم في سورية.
بين التهرب و الديناميكية
بينت الدراسة جملة من الخصائص لهذا الاقتصاد غير المنظم في سورية و منها: ان تمارس وحداته نشاطها من دون ترخيص من الجهات المختصة.
و يتهرب من الضرائب و الرسوم المتوجبة على ممارسة النشاط. و يعتمد على كثافة عنصر العمل على حساب رأس المال في الوقت الذي يعاني فيه عنصر العمل بشكل عام من ضعف مستوى التحصيل و التأهيل العلمي . و يتسم بدرجة عالية من الديناميكية وسهولةالدخول والخروج من النشاط الاقتصادي سواء كان انتاجياً او مهنياً ولا يخضع لقوانين العمل, ولا يتمتع عماله بالضمان الاجتماعي ولا يراعي فيه بشكل عام معايير الصحة والسلامة المهنية وينخفض الاجر مقابل ايام وساعات العمل وقد يكون جزء من الاجر عينياً. ولا يتمتع العامل بإجازات مدفوعة الاجر .
من الخصائص إلى الأسباب
اما الاسباب الدافعة لظهور هذا النوع من الاقتصاد في سورية فتحصرها الدراسة في التهرب الضريبي حيث تلجأ بعض الوحدات الاقتصادية الى عدم تنظيم أعمالها بهدف التهريب الضريبي والتهرب من مدفوعات مماثلة كالتأمين وقيام بعض الوحدات بممارسة اعمال مخالفة للقانون ولكنها ذات عائد كبير (التهريب والتجارة غير المشروعة). كما ان ضعف التأهيل لدى بعض العمال وعدم قدرتهم على الحصول على عمل في الاقتصاد المنظم تعتبر من العوامل التي ساهمت في تشكيله, ويضاف اليها ايضا التنمية غير المتوازنة وما ساهمت به من هجرة كبيرة من الريف الى المدينة مما زاد من الضغط الديمغرافي في المدن مع عدم قدرة الاقتصاد المنظم على خلق فرص عمل كافية جعل الاقتصاد غير المنظم ملاذاً لهؤلاء الوافدين.
وكان لعملية تسارع التطور الاقتصادي وغياب البرامج الحكومية المتعلقة بتنظيم القطاع غير المنظم,, في ظل عدم مواكبة الجوانب الادارية لذلك دور في ظهور نشاطات غير منظمة .
مساهمته في التشغيل 44%
لكن الاقتصاد غير المنظم الذي يوصف عادة بالطفيلي والمتهرب من الضرائب , له فوائده في امتصاص قدر كبير من العمالة اذ لم تقل مساهمته في التشغيل /حسب الدراسة/ عن 34% في عامي 2005 و 2006وارتفعت هذه النسبة لتصل الى 44% في عام 2007.
ورصدت الدراسة المجالات التي تستحوذ على اكبر نسبة من العاملين في القطاع ففي عام 2004, كان قطاع النقل والمواصلات يستحوذ على 70% من اجمالي العاملين في القطاع تلاه قطاع البناء والتشييد 61% ثم قطاع الزراعة و الصيد ب 40% ولكن في العام 2007 طرأ تغيير على ملامح لوحة العمالة فقد حافظت هذه القطاعات على اكبر حصة مع اختلاف في الترتيب , حيث اصبح قطاع البناء والتشييد في المقدمة ب 83% ثم النقل والمواصلات 70% فالزراعة والصيد 64% ,وتصف الدراسة هذه القطاعات الثلاثة بأنها القطاعات ذات المهارة المتدنية علمياً.
94% منهم... إعدادي وما دون
وتدلل الدراسة على حكمها بأن عاملي القطاع غير المنظم لا يمتلكون المهارات العالية من خلال رصد حالتهم التعليمية وتجد ان الحالة التعليمية لهم لم يطرأ عليها اي تغيير في السنوات الخمس الماضية.
والجدول ادناه يبين ان 94% من عمال الاقتصاد غير المنظم يحوزون على الشهادة الاعداداية وما دون, ويقول فريق البحث ان السوية التعليمية تفرض على هذه المستويات العلمية ربما عدم امكانية ايجاد فرصة عمل في الاقتصاد المنظم بسهولة, وبالتالي تظهر الحاجة للمزيد من برامج التأهيل كخطوة في طريق تقليل ظاهرة الاقتصاد غير المنظم في سورية. ويتصف الاقتصاد غير المنظم في سورية بأنه ذكوري اذ لا تتعدى نسبة النساء 6,4 بالمئة من اجمالي عمال الاقتصاد غير المنظم وتستحوذ الزراعة على نسبة 80% منهن .
العمالة غالبيتها شباب
ومن (مواصفات) القطاع غير المنظم التي لحظها الفريق الفني هي ان غالبية عمالته من الشباب ففي عام 2007,بلغت نسبة عمالة ممن تقل اعمارهم عن 34 عاما ما نسبته 67% من اجمالي العمال, بينما لم تتجاوز نسبة من يتجاوزون 50 عاما 7% فقط. اما فئة صغار السن 15- 17 فيشكلون حوالي 6%.
تبلغ نسبة من يحصلون على دخل شهري يتجاوز 8000 ليرة 42% من اجمالي العاملين في القطاع الخاص المنظم, بينما تبلغ هذه النسبة في القطاع الخاص غير المنظم 30% , اما نسبة من تقل اجورهم الشهرية عن 5000 ليرة فتبلغ 19% في القطاع الخاص المنظم, و 22% في القطاع الخاص غير المنظم . وتشكل المنشآت الصغيرة في سورية الحاضن الاول لهذه العمالة فنسبتها تصل الى 95% من إجمالي المنشآت (صغيرة وكبيرة) وتساهم ب 50% من الناتج المحلي الاجمالي, لكن هذه المنشآت في معظمها غير نظامية , فحسب بيانات وزارة الصناعة يوجد 101 الف منشأة من اصل 153 الف غير نظامية .
35 40% مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي
تقدر منظمة العمل الدولية مساهمة الاقتصاد غير المنظم بالناتج المحلي الاجمالي في الدول النامية بين 30و60% , اما في سورية فالتقديرات الرسمية الصادرة عن هيئة تخطيط الدولة و المكتب المركزي للاحصاء و المستندة الى طريقة مساهمة القوى العاملة في النشاط الاقتصادي و تقدر مساهمة الاقتصاد غير المنظم في الناتج المحلي بنسبة تترواح بين 3540%
يساهم في انخفاض تكاليف الحياة
رغم كل ما تقدم تجد الدراسة ان ثمة ايجابيات يضطلع بتأديتها الاقتصاد غير المنظم و تتلخص في التخفيف من حدة البطالة في المجتمع من خلال تامين فرص عمل لعدد من طالبي العمل كما ان هذا النوع من الاقتصاد يساهم في تامين دخول اضافية لعدد من السكان من خلال مهن لا تحتاج إلى الكثير من المهارة و التكاليف.
و من الايجابيات ايضا: تشكيل احتياطي عمالة يمكن استثمارها في الاقتصاد المنظم اثناء فترات الانتعاش الاقتصادي , و اعادة تخزين فائض العمالة في حال حدوث انكماش اقتصادي. و يساهم القطاع غير المنظم في تامين حجم من السلع و الخدمات للسوق , و قسم من مدخلات الانتاج الاقتصادي النظامي و يساهم في تخفيض تكاليف الانتاج و اخيراً يساهم في انخفاض تكاليف الحياة.
يشوه البيانات الرسمية
و مقابل تلك الايجابيات نجد عدداً من السلبيات ابرزها: غياب جزء مهم من المجتمع لا يمكن التخطيط له (حوالي 40% من الناتج المحلي الاجمالي كما سبقت الاشارة) و تشويه دقة حساب الناتج المحلي الاجمالي و العديد من البيانات الرسمية. و انخفاض مستوى الضمانات التي يتلقاها قسم غير قليل من العمالة في سورية ممن يشتغلون في الاقتصاد غير المنظم , ليس ذلك فحسب بل هناك فوات موارد كبيرة على الخزينة ناجمة عن التهرب الضريبي و عدم الحصول على الموافقات الرسمية و ضعف امكانية تنظيم دورات تدريبية للعمال في القطاع غير المنظم و بالتالي عدم مواكبة التطورات التكنولوجية و رفع كفاءة العمال و لربما اخر السلبيات هي مساهمة الاقتصاد غير المنظم في مجموعة من الاعمال غير المشروعة .
توصيات إعادة تنظيمه
و بغية اعادة تنظيم الاقتصاد غير المنظم في سورية خلصت الدراسةالى مجموعة من التوصيات : كاجراء دراسة شاملة لهذا الاقتصاد و مكوناته لرسم اوضح صورة ممكنة عن طبيعة وحجم الاقتصاد غير المنظم في سورية.
و التعاون بين الجهات الحكومية و الاهلية لاجراء عمليات تاهيل و تدريب لكوادر الاقتصاد غير المنظم تمهيدا لتنظميه. ووضع الحوافز و مشجعات لاصحاب الاعمال في الاقتصاد غير المنظم بهدف تحويل نشاطهم الى نشاط منظم ( اعفاءات ضريبية مرتبطة بتامين العمال , خدمات مالية اضافية مرتبطة بتسجيل النشاط) و يعتبر منجزو التقرير ان تقليل المنفعة الجدية للنشاطات غير المشروعة ( تقليل فوارق السعرية بين سورية و الدول المجاورة , المزيد من التحري الاقتصادي , فرض عقوبات مشددة على الاعمال المخالفة للقانون..) يساهم في اعادة تنظيم هذا القطاع.
كما ان اعادة النظر بالقوانين و الاجراءات الادارية التي تعيق عملية تنظيم النشاط الاقتصادي, او تدفع في بعض الاحيان الى عدم تنظيمه تشكل عاملا داعما للتنظيم .