تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعد تنفيذ المضمر.. بندر يظهر

شؤون سياسية
الاثنين 30-6-2014
 عبد الرحمن غنيم

فجأةً ظهر بندر بن سلطان في معيّة الملك السعودي . وهو حدثٌ احتار البعضُ في تفسير دلالته الفعليّة . والذين احتاروا – بطبيعة الحال – هم أولئك الذين اعتقدوا بدايةً أنّ بندر قد أقصي عن منصبه كمدير للمخابرات السعودية بسبب فشله أو بسبب مواقفه ,

دون أن ينتبهوا إلى حقيقة أنه ظلّ يشغل منصباً أعلى من المنصب الذي استقال منه . فما هي الحكاية ؟ .‏

قبل أن يُعلنَ في الرياض بشكل رسميّ عن قبول استقالة بندر من رئاسة المخابرات السعودية حصراً , كانت التكهنات تتوالى حول تنحّي بندر , أو فشله , أو مرضه , أو تمارضه . وبعد استقالته , كثرت التكهنات ليس فقط حول مستقبله السياسي , ولكن أيضاً حول العلاقات داخل الأسرة الحاكمة , أو حول سياساتها , وما يتوقعه البعض من تغييرات جذريّة تمسُّ الوجوه أو السياسات .‏

من المثير للانتباه في هذا السياق انه جرى الحديث عن فشل بندر في كسب الحرب غير المباشرة التس شُنّت على سورية , وكأن بندر شخصياً هو الذي يلعبُ وحده دور المايسترو في ائتلاف الثمانين الذي تقوده واشنطن . ومع أن الخطة الأصلية للمؤامرة أطلق عليها البعض تسمية « خطة بندر – فيلتمان « إلا أن الأميركي هو السيّد في وضع هذه الخطة والسعوديّ هو المسود . كما تردّد الحديث عن صراع داخل الأسرة السعودية محوره السباق بين الأمراء على الاستئثار بالسلطة , ووجود اتجاهٍ لإقصاء أولاد سلطان ومنهم بندر , أو عن وجود إرادة أمريكية وراء ما يحدث من إقصاء !! . وفي تقديرنا أن كلّ هذا اللون من الادعاءات إضافة الى تخرصات أخرى إنما غايتها التستر على حقيقة ما يحدث . وجاء إقصاءالأمير سلمان بن سلطان من منصبه كنائب لوزير الدفاع ليشكل دليلاً إضافياً لدى القائلين باستهداف أبناء سلطان , مع العلم بأن سلمان هذا لعب دوراً أساسياً ميدانياً في إدارة الحرب التي تشنّ على سورية , وكان يمضي معظم وقته في الأردن .‏

في مناقشتنا لهذه المسألة , دعونا ننتبه أولاً إلى أن سلطان الأب في حياته ومعه أبناؤه كانوا طوال الوقت معتمدين لدى الأمريكيين , وإن كان هذا الامتياز ليس خاصاً بهم وحدهم من بين آل سعود , وأنهم جعلوا من وزارة الدفاع إقطاعية أمريكية . وبالتالي , فإن الحديث عن غضب أمريكي على بندر , والقول بأن إدارة أوباما قد استاءت منه بسبب علاقته بالمحافظين الجدد , أو بسبب انتقاداته لمواقف الإدارة الأمريكية , هي أقوال تنقصها القدرة على الإقناع , ذلك أن بندر في نهاية المطاف لا يستطيع أن يتجاوز دور الأداة بالنسبة للأمريكيين , وإن استطاع فلا بدّ وأن يكون ذلك دليلاً على يهودية الأسرة السعودية بحيث تستمدّ قوتها من يهوديتها وليس من سعوديتها .‏

لنلاحظ ثانياً أن بندر كان قبل شهور قليلة من استقالته من رئاسة المخابرات قد توجّه الى أمريكا , وأمضى فيها فترة , وقيل بقصد العلاج . ولكنه عاد الى الرياض بعد زيارة أوباما للرياض مباشرة , لتأتي واقعة استقالته , وكأن ترتيباً ما تم بينه وبين الأمريكيين وأسرته الحاكمة .‏

لنلاحظ ثالثاً أن هناك أشياءً هامة طرأت بعد زيارة أوباما للرياض مباشرة , وتنطوي على دلالات بالغة الخطورة . أخطر هذه الأشياء وضع الأسس العملية لتعاون عسكري سعودي – إسرائيلي , يعتقد أنه أسفر عن وضع قاعدة تبوك الجوية تحت تصرف الطيران الاسرائيلي . وربما وجدت ترتيبات لمرابطة قوات صاروخية صهيونية في شمال وشمال غرب السعودية , عدا عن تعاون ضباط الطرفين مع الأمريكيين في تدريب العصابات الإرهابية وإدارة عملياتها , بعد أن تحوّلت البادية العربية الى مسرح لتفريخ الإرهابيين ولتحركهم .‏

لعل هذه المعطيات اكتسبت أهمية خاصة في ضوء ما قلناه منذ بعض الوقت عن حاجة الأمريكيين إلى إعادة قولبة الصراع في المنطقة , وعن حاجة إسرائيل إلى حزام إرهابي أو إلى بديل لهذا الحزام يكون أكثر أماناً بالنسبة لها وأشدّ خطراً على بلدان المنطقة . فبندر كان قد توجّه إلى واشنطن بعد أن لمس بدء هزائم الإرهابيين في سورية , بهدف تدارس الوضع الناشئ , ودراسة الحلول الممكنة للمشكلات الناجمة عن الفشل . وإذا كنا دقيقين في قراءة المشهد , فإن علينا أن نسلّم بأن الحرب غير المباشرة على سورية لم يكن في جوهره فشلاً بندرياً , بل فشل أمريكي بامتياز . وإذا نحن ادّعينا خلاف ذلك نكون قد أعطينا بندر أكثر مما يستحق .‏

إن خطة المؤامرة على سورية كانت تفترض منذ الأساس أنه إذا فشلت أدوات الحرب غير المباشرة في تحقيق الهدف , جاء التدخل العسكري لأميركا والناتو لحسم الموقف . وهذا ما جرت محاولة إنجازه في آب 2013 حين قام بندر بتزويد إرهابييه بالسلاح الكيميائي الذي استخدم في الغوطة الشرقية ليكون ذريعة للتدخل الأميركي . لكنّ أميركا أحجمت عن التدخل المسلح في اللحظة الأخيرة , وشكل ذلك فجيعة للمراهنين عليها , مثلما جاء الاتفاق الأولي بين إيران ومجموعة الخمسة + واحد حول ملف إيران النووي ليشكل فجيعة إضافية في نظرهم , وخاصة في نظر حكام السعودية وإسرائيل .‏

في ذلك الحين – وكما هو معروف – توجه حكام السعودية إلى شركائهم في الكيان الصهيوني للبحث عن مخارج تمكنهم من مواصلة الهجوم , وصرنا نسمع عن تعاون عسكري بين الطرفين يتجاوز مسألة تدريب الإرهابيين وتسليحهم وتقديم الخدمات اللوجستية لهم . وبرز اسم قاعدة تبوك الجوية , وهي ثاني أكبر قاعدة جوية في العالم , الى السطح , بما يرجّح وضعها في خدمة الطيران الاسرائيلي .‏

هنا يمكن الافتراض بأن خليّةً أميرية سعودية متماسكة من داخلها , تناط بها مهمة إدارة ملفي الإرهاب والتعاون العسكري السعودي – الاسرائيلي , ميدانياً , قد تشكلت , وأن هذه الخلية ضمّت أبناء سلطان : بندر وسلمان وثالثهما فهد الذي هو بشكل طبيعي أمير منطقة تبوك , أي أمير المنطقة التي وضعت تحت تصرف المؤامرة والمتآمرين . وكانت الغاية هي ما أعلنت عنه أكثر من جهة متآمرة حول تحويل الحرب غير المباشرة على سورية إلى حرب استنزاف . ولأن الخطة أصلاً كانت تستهدف كامل المنطقة تحت مسمّى « الشرق الأوسط الجديد « , فإن الترتيب الذي يجري العمل عليه باستثمار بادية العرب لتكون قاعدة للإرهاب لا يتوقف عند حدود استهداف سورية , بل يستهدف المنطقة . ولقد جاءت هجمة داعش وشركائها على العراق يوم 10 حزيران , وكأنها حلقة في مناورة « الأسد المتأهب « التي جرت في الأردن في الفترة من 25 أيار وحتى 9 حزيران , لتشكل ذروة التحضير الذي انشغل فيه فريق المكلفين بترتيب الهجمة الإرهابية الجديدة . وبوسعنا الافتراض أن أبناء سلطان تحوّلوا الى قادة ميدانيين بصلاحيات مطلقة , بتوجيه ممّا يسمى بمجلس الأمن الوطني السعودي الذي يرأسه الملك ويتولى بندر أمانة سرّه , ويتولى أخوه أيضاً دور نائب أمين السر . وبهذه الصلاحيات , فإن خلية أبناء سلطان تستطيع إصدار أوامرها الى كل الأجهزة العسكرية والأمنية السعودية . وعندئذ , فإن فكرة الإقالة تكون مجرد قنبلة دخانية أطلقت لإبعاد الأنظار عن تتبّع حركة فريق الأمراء أبناء سلطان .‏

إن الحاجة الى هذا القدرة من السرية تنبثق ليس فقط من كون ما يحدث هو احتضان للإرهاب وعكوف على تصنيعه وتصديره , وإنما أيضاً من فتح خط التعاون الكامل عسكرياً مع الكيان الصهيوني بما يعني عملياً أنه بات بوسع الصهاينة التواجد المكثف في شمال السعودية . وإذا عرفنا أن بادية العرب التي تجري محاولة استثمارها في المخطط التآمري لصالح إسرائيل تمتد من تخوم العقبة على البحر الأحمر وحتى نهر الفرات في سورية والعراق شمالاً , يصير بوسعنا أن نفهم مدى خطورة المخطط السعودي – اليهودي ليس فقط لنشر الفوضى في المنطقة , ولكن أيضاً لجعل هذه الفوضى مدخلاً لتمكين إسرائيل من التوسع من الفرات الى النيل .‏

إن ظهور بندر الآن بصحبة الملك , وما يعنيه ذلك من إقرار بأنه لم يفقد سلطته وسلطانه في مملكة آل سعود , لا هو ولا أخوه سلمان , يجيء بعد أن شعر آل سعود بأن خلية الأمراء أبناء سلطان قد نجحت في تنفيذ ما هو مضمر , وأن العصابات التي جرى تشكيلها وتدريبها قد انتقلت الى ميادين القتال بالفعل , وأن بوسعهم مواصلة حرب الاستنزاف التي طلب الصهاينة منهم ومن الأمريكيين مواصلتها .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية