كل سماء فوقكم جهنم... وكل ارض تحتكم جهنم.. تقدموا
يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم..
وتسقط الام على ابنائها القتلى ولا تستسلم
تقدموا.. تقدموا بناقلات جندكم, وراجمات حقدكم
وهددوا وشردوا ويتموا وهدموا
لن تكسروا اعماقنا
لن تهزموا اشواقنا
نحن القضاء المبرم
تقدموا... تقدموا
هذه الكلمات هي لصاحب الصوت الوطني الشامخ، ابن المقاومة والصمود , مبدع الشعر والأدب... إنه الشاعر الفلسطيني سميح القاسم الذي تمر ذكرى وفاته هذه الأيام بعد مسيرة حافلة بالعطاء، كرّس فيها جلّ حياته مدافعا عن الحق والعدل والأرض.
ولد القاسم في قرية الرامة (فلسطين) عام 1939، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعمل مدرّساً، ثم انصرف لمزاولة النشاط السياسي في «الحزب الشيوعي» قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي.
والد القاسم كان ضابطاً في قوّة حدود شرق الأردن، وفي إحدى رحلات العودة إلى فلسطين في القطار خلال الحرب العالمية الثانية، بكى الطفل سميح فذُعر الركَّاب وخافوا أن تهتدي إليهم الطائرات الألمانية... وبلغَ بهم الذعر درجة التهديد بقتل الطفل إلى أن اضطر الوالد إلى إشهار سلاحه في وجوههم لردعهم، وحين رُوِيَت الحكاية لسميح القاسم فيما بعد، قال: «حسناً... لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم, سأتكلّم متى أشاء, وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، لن يقوى أحد على إسكاتي».
أنشأ القاسم مسرحا فلسطينيا يحمل رسالة فنية وثقافية كما يحمل فى الوقت نفسه رسالة سياسية قادرة على التأثير فى الرأي العام العالمى فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية... وما أن بلغ الثلاثين من عمره كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة فى العالم العربى، ومن أشهر قصائده «أشد من الماء حزنا»، «أمطار الدم»، «بوابة الدموع» وغيرهم، وكان له أعمال مع الشاعر محمود درويش مثل «الرسائل» حيث كان صديقا شخصيا له.
كتب عدداً من الروايات، وأسهَمَ فى تحرير «الغد» و»الاتحاد» ثم رَئيس تحرير جريدة «هذا العالم»، ثُمَّ عادَ للعمل مُحرراً أدبياً فى «الاتحاد» وامين عام تحرير «الجديد» ثمَّ رئيس تحريرها، تُرجم عدد كبير من قصائده إلى الانجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية ولغات أخرى... كما حصل على العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف فى عدّة مؤسسات.
عرف القاسم بمقاومته الدائمة للاحتلال الإسرائيلي، وسجن مرات عديدة، وفرضت عليه الإقامة الإجبارية والاعتقال المنزلي وطرد من عمله عدة مرات بسبب نشاطه الشعري والسياسي
لكن تبقى القصيدة عند القاسم نبع عطاء لاينضب, طائر العمر ونسيم الروح فنسمع منه يقول:
طعام الشهيد يكفي شهيدين
يا أمنا الريح.. يا هاجر المتعبة
أعدي الطعام القليل لأبنائك العائدين على عربات المنافي
خذي كفني شرشفاً للأواني العتيقة
قومي افرشي للضيوف الأحبة كوفيتي..
إنهم متعبون جياع
أعدي لهم وجبة من بقول الخراب
أعدي كؤوس العذاب
وإبريق أحزانك المرعبة
سيجمعنا الخبز والملح عما قريب
رحل شاعر التجديد والمغامرة الفنية والذي يلتقي في تجربته الشعرية المناخ الكلاسيكي بالمناخ الحديث، السريالية بالواقعية الاشتراكية... رحل من قال ذات يوم:
منتصبَ القامةِ أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
لتبقى كلماته تنبض بالشارع الفلسطيني والعربي مجسدة مسيرة مقاومة ونضال على مدى أكثر من خمسين عاماً من الاحتلال الغاصب لأرض فلسطين وأنفاسه.
يذكر أن للراحل العديد من المؤلفات الشعرية نذكر منها:
1. مواكب الشمس (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1958م).
2. أغاني الدروب (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1964م)
3. دمي على كتفي (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1968م).
4. دخان البراكين (شركة المكتبة الشعبية، الناصرة، 1968م).
5. سقوط الأقنعة (منشورات دار الآداب، بيروت، 1969م).
6. ويكون أن يأتي طائر الرعد (دار الجليل للطباعة والنشر، عكا، 1969م).
ammaralnameh@hotmial.com