بعد مرور أكثر من نصف قرن على إطلاق موجات التغريب الحروفي، التي ارتكزت على تقنيات وجماليات غربية، وبعيدة كل البعد، عن معطيات التشكيل الحروفي، وأسسه المتوازنة والثابتة (رغم وجود بعض الحالات الاستثنائية ) في بعض التجارب الحروفية الجادة في عطاءات الأجيال المتعاقبة.
فعلى الرغم من وجود تجارب حروفية عربية حديثة ومعاصرة جديرة بالإعجاب والتقدير والدراسة، فإن الأجانب حين يتأملون الطروحات التشكيلية العربية الحروفية والخطية العفوية والتلقائية والارتجالية والمغرقة في حداثتها فإنهم يقولون: هذه بضاعتنا ردت إلينا، على عكس الطروحات الحروفية الأصيلة والصادقة والحاملة أصالة وعراقة وخصوصيات الخطوط العربية في ايقاعاتها المختلفة والمتنوعة، والتي تحوز على إعجابهم وتقدير، تدفعهم في أحيان كثيرة لاقتناء بعض هذه الأعمال، والاحتفاظ بها، رغم أنهم يجهلون قراءة هذه الخطوط والحروف.
وثمة مشكلة حقيقية تكمن في أن الدارسين المخضرمين لأنواع الخطوط العربية، وظفوا قدراتهم، لاستعادة كل ماهو متوفر في المخطوطات والكتابات القديمة، بكل ماتحتاجه من صبر وتأن ودقة وجلد طويل، ولكن دون قدرة على تطويرها.
أما الذين عملوا على توظيفها في خدمة اللوحة الفنية التشكيلية الحديثة، فأكثريتهم من غير الموهوبين، وهؤلاء كانوا يدارون قصورهم الفني في استعادة كل ماهو مطروح ومألوف وبائد في فنون الغرب الأوروبي، وينسبونه الى التراث العربي، وذلك بإضافة كتابات سريعة وعشوائية او اجزاء منها، وعلى غرار مانشاهده على الجدران القديمة في الأزقة والممرات الشعبية، حيث تحولت الحركات الخطية في تلك اللوحات إلى صياغات عبثية أشبه بالارتجال أوبالحركات المتتابعة والمتداخلة بدون رابط منطقي أو عقلاني او جمالي.
facebook.com/adib.makhzoum