وذلك بعد مواجهةٍ ساخنة ( حضرتها صحيفة الثورة ) في جلسةٍ جمعت بعض الشخصيات النقابية، مع رئيس بلدية اللاذقية المهندس صديق مطرجي، كادت أن تصل حدود الاشتعال لولا أنْ تمكّن السيد هيثم اسماعيل رئيس مكتب العمال الفرعي الذي ترأس الجلسة، من التدخّل بحكمةٍ ودبلوماسية لم تخفِ نفسها، أدّت إلى إطفاء الحريق، والاتجاه نحو الحل.
القضية وما فيها هي أنَّ العاملين في بلدية اللاذقية، والذي يصل عددهم - حسبما أفادنا السيد فواز صالح الكنج رئيس نقابة عمال الدولة والبلديات في اللاذقية - إلى نحو ثلاثة آلاف عامل، وتقوم الإدارة المالية لمجلس مدينة اللاذقية بحسم 2% من رواتبهم المقطوعة شهرياً، لقاء اشتراكات كان من المفترض أن يتم تحويلها لصالح صندوق المساعدة الاجتماعية، التي تُشرف عليه تلك النقابة ذاتها، غير أنَّ هذه الاشتراكات التي تُحسم شهرياً من رواتب العاملين في البلدية، تُحسم فعلياً وحسب، ولكن دون أن يصل إلى الصندوق شيء منها، وليس الآن أو من سنة وإنما منذ نحو خمس أو ست سنوات، حتى تراكمت وتراكمت هذه المبالغ على البلدية لتصل اليوم إلى ما وصلت إليه ( خمسين مليون و700 ألف ليرة ..! ) لتُشكّل هذه الأزمة التي يواجهها الصندوق في عدم قدرته على مساعدة العمال، ولاسيما أولئك الذين يُحالون إلى التقاعد والذين يتوجب على الصندوق التزامات مالية تجاههم بمنحهم مبالغ مالية أقرّها نظام الصندوق، فالنقابة عملياً هي التي بالوجه وتجابه الإحراجات أمام العاملين نتيجة تخلّف بلدية اللاذقية عن تحويل هذه المبالغ إلى مكانها الصحيح .
الكنج أوضح «لصحيفة الثورة» أنَّ بلدية اللاذقية لم تتجاوب معنا رغم المحاولات العديدة والمطالبات المتكررة عن طريق وزارة الإدارة المحلية وطرق متعدّدة أخرى، حتى اضطررنا أخيراً إلى توجيه إنذار عن طريق الكاتب بالعدل وبموجب قانون التنظيم النقابي إلى البلدية، دعونا من خلاله رئيس البلدية المهندس مطرجي للحضور إلى مبنى اتحاد عمال محافظة اللاذقية أملاً في إيجاد حل، وكانت هذه الجلسة.
الأخوة النقابيون واجهوا الأمر بصلابة، ولم يكتفوا بتوجيه العتاب لرئيس مجلس مدينة اللاذقية صديق مطرجي على هذا الإحجام عن تحويل المستحقّات المالية، مستغربين بأنهم كانوا قد اتفقوا معه منذ شهر نيسان الماضي من أجل تقسيط المبلغ، غير أن البلدية لم تلتزم بالاتفاق، ومن ثم تجاوز الأمر النقاش والعتاب إلى مرحلة السخونة .. وأكثر، حيث خرج رئيس البلدية عن طوره، وقدّم أعذاره باستفاضة، مشيراً إلى أن البلدية تتحمّل أعباء ضخمة تفرضها الأحداث وتكاليفها غير منظورة في موازنتها.
كما أن هذه المبالغ من اشتراكات العمال في الصندوق محفوظة ولن ينقص شيئاً منها، وهي بالفعل تُحسم من الرواتب المقطوعة، ولكنّه حسم نظري - يقول مطرجي - ونحن بالكاد نستطيع تأمين الرواتب الصافية للعاملين شهرياً، والمؤكد أنها بالنهاية ستعود إلى الصندوق، ولكن ليس لدى البلدية الآن سيولة، ولا بدّ من الصبر، والبحث عن الحلول الممكنة.
الكنج ارتأى على مطرجي رئيس بلدية اللاذقية آلية لدفع هذه المستحقات بمعدّل عشرة ملايين ليرة شهرياً، ليكون هذا التراكم منتهياً خلال ستة أشهرٍ قادمة، فلدى البلدية واردات جيدة، إذ يكفي ما جنته من مخالفات البناء، ولن يصعب عليها تسديد هذا المبلغ، غير أن مطرجي استكبر هذا الأمر كثيراً، وقال : أرجو ألا تضعوني بمثل هذا الموقف المحرج، فلا يُكلّف الله نفساً إلاّ وسعها، أعرف أنَّ هناك مشكلة وتحتاج إلى حل، ولكن الحل يجب أن يكون منطقياً، فقطعاً لن أستطيع الالتزام معكم بعشرة ملايين ليرة شهرياً، لا نريد أن نتفق على شيء غير واقعي، أعدكم بأن أضع تسديد هذا المبلغ أولوية ثانية بعد أولوية تسديد الرواتب شهرياً، وبقدر ما نتمكّن من تحويل أموال لهذه الغاية فسوف نحوّل، فدعونا نلتزم بتحويل ما يمكننا تحويله، ولكن صدقاً لن نتمكن حسب المعطيات المتوفرة من تحويل عشرة ملايين شهرياً، فالمسألة ليست مسألة مزاج، وأنا لا أمتلك السيولة وأمتنع عن التحويل، الأمر ليس كذلك، فالواردات الذاتية بالكاد تكفي لتغطية الرواتب مع طبيعة العمل، فكتلة الرواتب كانت لدينا منذ سنوات 350 مليون ليرة سنوياً، اليوم مليار و350 مليون ليرة سنوياً، هناك نفقات وضغط كبير على البلدية فعلاً، فمن المحروقات نحتاج يومياً إلى كميات كبيرة للآليات وسيارات القمامة، وغلاء المحروقات زاد من نفقات البلدية كثيراً دون حسب حساب سابق، ولكن لابد من تشغيل هذه الخدمات.
كما أننا نقوم وبشكل استثنائي بتقديم خدمات كثيرة مرتبطة بالأحداث الجارية والحرب التي تخوضها سورية ضد الإرهاب، ومنها أحياناً تزفيت طرق وتأمين آليات ومستلزمات، وما إلى ذلك، وصحيح أن هناك واردات ضخمة موعودون بها من مخالفات البناء وغيرها، وأقول لكم : إننا من مخالفات البناء ننتظر نحو ثلاثة مليارات ليرة، ولكن صدقاً لم نحصّل منها شيئاً حتى الآن، ولدينا إيرادات قادمة من الأراضي التي ستحصل عليها الجمعيات التعاونية السكنية، غير أن أمر هذه الأراضي اصطدم ببعض العراقيل، هذا هو واقع الحال فماذا نفعل ..؟
السيد محمود أيوب نائب رئيس اتحاد عمال اللاذقية طرح جملة أفكار في سبيل إيجاد حل يرضي الطرفين، وكان أبرز هذه الأفكار استعداد الاتحاد لشراء أراض من البلدية، باعتباره يعتزم إقامة بعض المشاريع أبرزها إقامة عيادات شاملة للعمال، فهناك عقارات وفضلات عقارات بأماكن عديدة للبلدية يمكن للاتحاد أن يشتريها، وتجري بعدها عملية تقاص بين الاتحاد والبلدية حيث يقوم الاتحاد بتحويل أموال ثمن الأراضي إلى نقابة عمال الدولة والبلديات، وإشعار البلدية بذلك حتى يتم تسديد الدّين.
رئيس البلدية أبدى تجاوباً كاملاً لهذه الفكرة، واقترح على الفور تشكيل اللجان اللازمة من الطرفين لإنجاز هذا الأمر، وتثبيت ذلك بمحضر، ووعد بقبول تحويل كل ما يمكن تحويله من أموال جراء هذه العملية إلى أن يُسدّد الدَّين بالكامل.
وعلى الرغم من الارتياح الذي بدا على الجميع حول هذا الاتفاق المبدئي، غير أن رئيس نقابة عمال الدولة والبلديات أعرب عن عدم اطمئنانه الكامل لهذا الاتفاق، ليس لجهة جدواه، فهو مجدٍ في حال تم تطبيقه، ولكن القلق يتسرّب إلينا - كما قال - من عدم التزام البلدية كما عودتنا دائماً، وعلى كل حال ستبقى العبرة في التنفيذ.
البلدية ممثلة برئيسها المهندس صديق مطرجي كان يبدو مرتاحاً تماماً للصيغة التي تم التوصّل إليها، الأمر الذي يشي بأنه حظي بفرصة جيدة تريحه بالنهاية من هذا العبء الذي أتعبه .. سوف ننتظر ونتابع .. ونأمل أن يوضع هذا الاتفاق على طريق التنفيذ .. وبلا هوادة .