تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


استراتيجية التكتل الإقليمي وتراجع عصر الأحادية

شؤون سياسية
الخميس 25/10/2007
د. فايز عز الدين

منذ أن تغيرت هيكيلة النظام العالمي عام ,1991 وخرج من خارطة العالم القطب الاشتراكي الذي كان يفرض التوازن في العلاقات الدولية عبر قوتين تعملان بآلية متضايقة,

الأولى كانت تمثل كفاح الشعوب المتصاعد من أجل نظام للعدل الاجتماعي على الصعيدين: الوطني, الدولي, والثانية كانت قوة التوازن الحاكمة في مؤسستي الشرعية الدولية عبر الأمم المتحدة (الجمعية العامة, ومجلس الأمن) يضاف إليه ما كان يرسم سياسة القطبين الأعظم مما اتفق عليه في يالطة في نهاية الحرب العالمية الثانية .1945 إن ذلك كله قد خرج من كل حساب في العلاقات الدولية بعد عام تحول العالم إلى عقيدة السوق الحرة, وقطبيتها الامبريالية الوحيدة, والمنفردة آنئذ بحكم العالم دون وجود قوى ذات شأن إقليمي, أو دولي تتمكن من الحد من طغيان سياسة القطب الوحيد المهيمن.‏

وحين نراجع هذا التاريخ الذى أصبح يزيد عن عقد ونصف من الزمان, وننظر فيه إلى وحشية الليبرالية الجديدة في صيغتها الأمبراطورية الأميركية, ثم نرى إلى حالة شعوب الأرض التي كانت تأمل من المتغيرات الدولية بما ادعته الماكينة الإعلامية الدولية للنظام الليبرالي الغربي بالزعامة الأميركية من أنها سوف تدخل البشرية في نظام الحرية, والديمقراطية وحقوق الإنسان بعد أن يتم لها سقوط النظام الشيوعي الذي يفتقد هذه القيم جميعها, وبعد أن حدث ما حدث من متغيرات دراماتيكية خرج على أثرها النظام الشيوعي العالمي من خارطة العالم انتظرت شعوب الكرة الأرضية أن يقوم القطب الوحيد بإزالة التوترات الدولية عبر إزالة بؤر التوتر لكن شيئاً من هذا لم يحصل, ثم انتظرت أن يتقدم الاقتصاد العالمي نحو نظام يخفف الفجوة بين الأغنياء والفقراء فرأت استراتيجية زيادة هذه الفجوة إلى درجة أن ملياراً جديداً من مليارات سكان هذا العالم دخلت إلى تحت خط الفقر.‏

ثم انتظرت الشعوب أن تعم العلاقات الدولية روحية الحقوق, والالتزام بمقررات مؤسستي الشرعية الدولية لترى تراجعاً قصدياً تمارسه أميركا بحق هاتين المؤسستين ليغدو القرار الدولي أميركياً صهيونياً بكل الاعتبارات ولا سيما فيما يتعلق بالوضع الإقليمي في الشرق العربي, والأوسط على وجه العموم.‏

وبالمحصلة لقد فشلت أحلام البشرية بالقطب الوحيد المهيمن, واتضح أن لا مستقبل للعالم في ظلال هكذا هيكلة, لكن المراهنين في السياسة كانوا يصرون على تجميل الصورة لارتباطهم بالنمط الأميركي, ورغبتهم في تعميمه عالمياً, ولعدم قدرتهم على قراءة التاريخ واستحصال العبر منه, ومع ذلك فقد انقسم المهتمون بتحولات النظام العالمي بعد سقوط القطب الشيوعي عدة اتجاهات, منها ماكان يعتقد بأن لأميركا القطب الوحيد المهيمن القدرة على فرض سيطرتها على نظام العالم امبراطورياً لقرن من الزمان وكانوا يحددون كامل القرن الحادي والعشرين المعاش. ومنها ماكان يعتقد أن سبل التطور العالمي إن كانت قد سمحت لقطب في التاريخ القديم, والوسيط أن يبقى ممسكاً بالحكومة العالمية لأكثر من قرن من الزمان إلا أن الأمر مختلف في هذا الزمان حيث تعيش البشرية ثورات اتصال, وإعلام, ومعرفة وتكنولوجيا وتقنيات لا يمكن معها لقطب وحيد مهيمن أن يديم سلطته إلى الزمن الذي يخطط له, فالوجود العالمي حافل في كل يوم بأسباب جديدة لمتغيرات جديدة, أي إن ما كان يمكن أن يحصل في نظام التاريخ القديم والوسيط من خلال سنوات. أصبح من المحتمل حصوله في عصرنا اليوم بساعات, والثورة العلمية المعرفية لم تعد حكراً على دولة دون أخرى,أو على شعب دون آخر.‏

وبناء عليه فإن أميركا لم تستطع أن تحقق- عبر زمن انفرادها منذ عقد ونصف من الزمان- أية استراتيجية امبراطورية رسمت عليها. فلا هي حكمت شعوب الأرض واستتب لها الحال, ولا هي قد انتصرت في المعارك التي شنتها تحت لافتة الإرهاب المزعوم, وأقنعت العالم بها ليتسع لها المجال. وبذلك صار النظر الفلسفي لمتحولات العالم يعطي إشارته بأن زمن الهيمنة الأميركية سوف يكون قصيراً جداً. وقد أصبح التأكد من هذا النظر وارداً بعد احتلال أميركا للعراق من خارج إرادة المجتمع الدولي, وفشلها في كل ما خططت له باستراتيجياتها الاحتلالية إلى الدرجة التي انتقلت فيها المعركة من معركة أميركا مع خصومها المعارضين لها بهذا الاحتلال, إلى معركة داخلية بين حزبيها اللذين يتداولان السلطة والإدارة الأميركية, فمعركتها الداخلية أصعب من الخارجية.‏

وانتقال المعركة من شكلها الخارجي الدولي, إلى شكلها الداخلي الأميركي لم يضعف الشأن الأميركي بهذا الاحتلال وحسب بل أعطى دلائل جديدة على أن اختيارات القطب الوحيد المهيمن لم تنجح مع الإدارة الأميركية منذ العام 1991 حتى الآن. يضاف إلى ذلك ماكانت أميركا تحاذر منه, أو تستكرهه, أو تعمل على عدم الوصول إليه بدأ يحصل, وخاصة بعد أن شنت اسرائيل بأوامر أميركية حرباً عدوانية على لبنان المقاوم صيف العام 2006 وفشلت في تحقيق أهدافها عسكرياً بالدرجة الأولى, لكي تثار أسئلة جديدة حول القوة ومقدار خدمتها للسياسة وتبرز مظاهر فشل القوة الأميركية أولاً من أفغانستان إلى العراق, وفشل القوة الاسرائيلية من جنوب لبنان إلى غزة ثانياً.‏

إن مستحصلات هذا الفشل قد غيرت في طبيعة التفكير الدولي عند القوى الإقليمية المتحفزة, والقادرة على لعب دور اللاعب الاستراتيجي خارج حدودها, وفي طليعة هذه القوى روسيا التي لم تزل تملك القوة الرادعة, إن لم تكن المدمرة لهذا العالم برمته, وكذلك الصين التي دخلت نادي القوى العظمى منذ زمن.‏

وعليه فقد أتى مؤتمر الدول الخمس المطلة على بحر قزوين مؤخراً وهي (إيران, أذربيجان, كازاخستان, تركمانستان, روسيا). ليعلن أمام استراتيجيات العالم المعاصر أن قمة هامة لدول مطلة على بحر قزوين تتفق على عدم السماح باستخدام أراضيها لشن هجوم على إحدى الدول الأعضاء فيها, وترغب بتنظيم مؤتمر اقتصادي مشترك, وأنها سوف تتعاون لإحلال الأمن, والسلام, وتتفادى أي تنافس عسكري فيما بينها, ودرء القوى المعادية, ومكافحة الجريمة المنظمة, وتشكيل آلية إقليمية للعمل المشترك, والتعاون في المستقبل القريب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية